صفحة جزء
( 7284 ) مسألة : قال : ( فإن عاد ، حبس ، ولا يقطع غير يد ورجل ) يعني إذا عاد فسرق بعد قطع يده ورجله ، لم يقطع منه شيء آخر وحبس . وبهذا قال علي رضي الله عنه والحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وحماد ، والثوري ، وأصحاب الرأي . وعن أحمد ، أنه تقطع في الثالثة يده اليسرى ، وفي الرابعة رجله اليمنى ، وفي الخامسة يعزر ويحبس .

وروي عن أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ، أنهما قطعا يد أقطع اليد والرجل . وهذا قول قتادة ، ومالك ، والشافعي ، وأبي ثور ، وابن المنذر . وروي عن عثمان ، وعمرو بن العاص ، وعمر بن عبد العزيز أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة ، والرجل اليمنى في الرابعة ، ويقتل في الخامسة ; لأن جابرا قال : { جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسارق ، فقال : اقتلوه . فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق . فقال : اقطعوه . قال : فقطع ، ثم جيء به الثانية ، فقال : اقتلوه . قالوا : يا رسول الله ، إنما سرق . قال : اقطعوه فقطع ، ثم جيء به الثالثة ، فقال : اقتلوه . فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق . قال : اقطعوه . قال : ثم أتي به الرابعة ، فقال : اقتلوه . قالوا : يا رسول الله ، إنما سرق . قال : اقطعوه . ثم أتي به الخامسة ، قال : اقتلوه . قال : فانطلقنا به ، فقتلناه ، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر } . رواه أبو داود . وعن أبي هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق : وإن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله } . ولأن اليسار تقطع قودا ، فجاز قطعها في السرقة ، كاليمنى ; ولأنه فعل أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { اقتدوا بالذين من بعدي ; أبي بكر وعمر } . ولنا ما روى سعيد ، حدثنا أبو معشر ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، قال : حضرت علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق ، فقال لأصحابه : ما ترون في هذا ؟ . قالوا : اقطعه يا أمير المؤمنين . قال قتلته إذا ، وما عليه القتل ، بأي شيء يأكل الطعام ؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة ؟ بأي شيء يغتسل من جنابته ؟ بأي شيء يقوم على حاجته ؟ فرده إلى السجن أياما ، ثم أخرجه ، فاستشار أصحابه ، فقالوا مثل قولهم الأول ، وقال لهم مثل ما قال أول مرة ، فجلده جلدا شديدا ، ثم أرسله . وروي عنه ، أنه قال : إني لأستحي من الله أن لا أدع له يدا يبطش بها ، ولا رجلا يمشي عليها . ولأن في قطع اليدين تفويت منفعة الجنس ، فلم يشرع في حد ، كالقتل ; ولأنه لو جاز قطع اليدين ، لقطعت اليسرى في المرة الثانية ; لأنها آلة البطش كاليمنى ، وإنما لم تقطع للمفسدة في قطعها ; لأن ذلك بمنزلة الإهلاك ، فإنه لا يمكنه أن يتوضأ ، ولا يغتسل ، ولا يستنجي ، ولا يحترز من نجاسة ، ولا يزيلها عنه ، ولا يدفع عن نفسه ، ولا يأكل ، ولا [ ص: 110 ] يبطش ، وهذه المفسدة حاصلة بقطعها في المرة الثالثة ، فوجب أن يمنع قطعها ، كما منعه في المرة الثانية .

وأما حديث جابر ، ففي حق شخص استحق القتل ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في أول مرة ، وفي كل مرة ، وفعل ذلك في الخامسة . ورواه النسائي ، وقال : حديث منكر .

وأما الحديث الآخر ، وفعل أبي بكر وعمر : فقد عارضه قول علي . وقد روي عن عمر أنه رجع إلى قول علي .

فروى سعيد ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عابد ، قال : أتي عمر برجل أقطع اليد والرجل قد سرق ، فأمر به عمر أن تقطع رجله ، فقال علي : إنما قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } الآية . وقد قطعت يد هذا ورجله ، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها ، إما أن تعزره ، وإما أن تستودعه السجن . فاستودعه السجن .

التالي السابق


الخدمات العلمية