صفحة جزء
[ ص: 135 ] كتاب الأشربة الخمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع ; أما الكتاب : فقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } . إلى قوله : { فهل أنتم منتهون } وأما السنة : فقول النبي صلى الله عليه وسلم : { كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام } . رواه أبو داود ، والإمام أحمد وروى عبد الله بن عمر ، أن النبي قال { : لعن الله الخمر ، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه . } رواه أبو داود وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر ، وأجمعت الأمة على تحريمه ، وإنما حكي عن قدامة بن مظعون ، وعمرو بن معد يكرب ، وأبي جندل بن سهيل ، أنهم قالوا : هي حلال ; لقول الله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية . فبين لهم علماء الصحابة معنى هذه الآية ، وتحريم الخمر ، وأقاموا عليهم الحد ; لشربهم إياها ، فرجعوا إلى ذلك ، فانعقد الإجماع ، فمن استحلها الآن فقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه قد علم ضرورة من جهة النقل تحريمه ، فيكفر بذلك ، ويستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل .

روى الجوزجاني ، بإسناده عن ابن عباس ، أن قدامة بن مظعون شرب الخمر ، فقال له عمر : ما حملك على ذلك ؟ فقال : إن الله عز وجل يقول : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } . وإني من المهاجرين الأولين من أهل بدر وأحد . فقال عمر للقوم : أجيبوا الرجل . فسكتوا عنه ، فقال لابن عباس : أجبه . فقال : إنما أنزلها الله تعالى عذرا للماضين ، لمن شربها قبل أن تحرم وأنزل : { إنما الخمر والميسر والأنصاب } . حجة على الناس . ثم سأل عمر عن الحد فيها فقال علي بن أبي طالب : إذا شرب هذى ، وإذا هذى افترى فاجلدوه ثمانين ، فجلده عمر ثمانين جلدة . وروى الواقدي أن عمر قال له : أخطأت التأويل يا قدامة ، إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك .

وروى الخلال بإسناده عن محارب بن دثار ، أن أناسا شربوا بالشام الخمر ، فقال لهم يزيد بن أبي سفيان : شربتم الخمر ؟ قالوا : نعم ، بقول الله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية . فكتب فيهم إلى عمر بن الخطاب ، فكتب إليه : إن أتاك كتابي هذا نهارا ، فلا تنتظر بهم إلى الليل ، وإن أتاك ليلا ، فلا تنتظر بهم نهارا ، حتى تبعث بهم إلي ، لئلا يفتنوا عباد الله . فبعث بهم إلى عمر ، فشاور فيهم الناس ، فقال لعلي : ما ترى ؟ فقال : أرى أنهم قد شرعوا في دين الله ما لم يأذن الله فيه ، فإن زعموا أنها حلال ، فاقتلهم ، فقد أحلوا ما حرم الله ، وإن زعموا أنها حرام ، فاجلدوهم ثمانين ثمانين ، فقد افتروا على الله . وقد أخبرنا الله عز وجل بحد ما يفتري بعضنا على بعض . : فحدهم عمر ثمانين ثمانين إذا ثبت هذا ، فالمجمع على تحريمه عصير العنب ، إذا اشتد وقذف زبده ، وما [ ص: 136 ] عداه من الأشربة المسكرة ، فهو محرم ، وفيه اختلاف نذكره - إن شاء الله تعالى - ( 7337 )

( مسألة ) قال : ( ومن شرب مسكرا قل أو كثر ، جلد ثمانين جلدة ، إذا شربها وهو مختار لشربها ، وهو يعلم أن كثيرها يسكر ) الكلام في هذه المسألة في فصول : ( 7338 ) الفصل الأول : أن كل مسكر حرام ، قليله وكثيره ، وهو خمر حكمه حكم عصير العنب في تحريمه ، ووجوب الحد على شاربه . وروي تحريم ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي بن كعب ، وأنس ، وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والقاسم ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وإسحاق . وقال أبو حنيفة ، في عصير العنب إذا طبخ فذهب ثلثاه ، ونقيع التمر والزبيب إذا طبخ وإن لم يذهب ثلثاه ، ونبيذ الحنطة ، والذرة والشعير ، ونحو ذلك نقيعا كان أو مطبوخا : كل ذلك حلال ، إلا ما بلغ السكر ، فأما عصير العنب إذا اشتد ، وقذف زبده ، أوطبخ فذهب أقل من ثلثيه ، ونقيع التمر والزبيب إذا اشتد بغير طبخ ، فهذا محرم ، قليله وكثيره ; لما روى ابن عباس ، عن النبي قال : { حرمت الخمرة لعينها ، والمسكر من كل شراب } ولنا ما روى ابن عمر ، قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام } وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما أسكر كثيره ، فقليله حرام } رواهما أبو داود ، والأثرم ، وغيرهما وعن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { كل مسكر حرام . قال : وما أسكر منه الفرق ، فملء الكف منه حرام } رواه أبو داود ، وغيره وقال عمر رضي الله عنه نزل تحريم الخمر ، وهي من العنب والتمر والعسل ، والحنطة والشعير . والخمر ما خامر العقل . متفق عليه ولأنه مسكر ، فأشبه عصير العنب .

فأما حديثهم ، فقال أحمد : ليس في الرخصة في المسكر حديث صحيح . وحديث ابن عباس رواه سعيد عن مسعر ، عن أبي عون ، عن ابن شداد ، عن ابن عباس . قال : والمسكر من كل شراب . وقال ابن المنذر : جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة ، ذكرناها مع عللها . وذكر الأثرم أحاديثهم التي يحتجون بها عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ، فضعفها كلها ، وبين عللها . وقد قيل : إن خبر ابن عباس موقوف عليه ، مع أنه يحتمل أنه أراد بالسكر المسكر من كل شراب ، فإنه يروي هو وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { كل مسكر حرام . }

التالي السابق


الخدمات العلمية