صفحة جزء
( 7351 ) فصل : وحد السكر الذي يحصل به فسق شارب النبيذ ، ويختلف معه في وقوع طلاقه ، ويمنع صحة الصلاة منه ، هو الذي يجعله يخلط في كلامه ما لم يكن قبل الشرب ، ويغيره عن حال صحوه ، ويغلب على عقله ، ولا يميز بين ثوبه وثوب غيره عند اختلاطهما ، ولا بين نعله ونعل غيره . ونحو هذا قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور ، وزعم أبو حنيفة ، أن السكران هو الذي لا يعرف السماء من الأرض ، ولا الرجل من المرأة . [ ص: 141 ]

ولنا قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } . نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدموا رجلا منهم في الصلاة ، فصلى بهم ، وترك في قراءته ما غير المعنى وقد كانوا قاموا إلى الصلاة عالمين بها ، وعرفوا إمامهم وقدموه ليؤمهم ، وقصد إمامتهم ، والقراءة لهم ، وقصدوا الائتمام به ، وعرفوا أركان الصلاة ، فأتوا بها ، ودلت الآية على أنه ما لم يعلم ما يقول ، فهو سكران . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسكران فقال : " ما شربت ؟ " . فقال : ما شربت إلا الخليطين وأتي بآخر سكران ، فقال : ألا أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أني ما سرقت ، ولا زنيت ، فهؤلاء قد عرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتذروا إليه ، وهم سكارى .

وفي حديث حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم حين غنته قينة وهو سكران :

ألا يا حمز للشرف النواء وهن معقلات بالفناء

وكان علي أناخ شارفين له بفناء البيت الذي فيه حمزة ، فقام إليها فبقر بطونها ، واجتث أسنمتها ، فذهب علي فاستعدى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حمزة محمرة عيناه ، فلامه النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إليه وإلى زيد بن حارثة ، فقال : وهل أنتم إلا عبيد لأبي ، فانصرف عنه رسول الله ، فقد فهم ما قالت القينة في غنائها ، وعرف الشارفين وهو في غاية سكره . ولأن المجنون الذاهب العقل بالكلية يعرف السماء من الأرض ، والرجل من المرأة ، مع ذهاب عقله ، ورفع القلم عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية