صفحة جزء
( 7384 ) وكل من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه ، فحكمه ما ذكرنا في من دخل منزله ، في دفعهم بأسهل ما يمكن دفعهم به ، فإن كان بينه وبينهم نهر كبير ، أو خندق ، أو حصن لا يقدرون على اقتحامه ، فليس له رميهم ، وإن لم يمكن إلا بقتالهم ، فله قتالهم وقتلهم .

قال أحمد ، في اللصوص يريدون نفسك ومالك : قاتلهم تمنع نفسك ومالك . وقال عطاء ، في المحرم يلقى اللصوص ، قال : يقاتلهم أشد القتال . وقال ابن سيرين : ما أعلم أحدا ترك قتال الحرورية واللصوص تأثما ، إلا أن يجبن . وقال الصلت بن طريف : قلت للحسن : إني أخرج في هذه الوجوه ، أخوف شيء عندي يلقاني المصلون يعرضون لي في مالي ، فإن كففت يدي ذهبوا بمالي ، وإن قاتلت المصلي ففيه ما قد علمت ؟ قال : أي بني ، من عرض لك في مالك ، فإن قتلته فإلى النار ، وإن قتلك فشهيد .

ونحو ذلك عن أنس ، والشعبي ، والنخعي . وقال أحمد في امرأة أرادها رجل على نفسها ، فقتلته لتحصن نفسها ، فقال : إذا علمت أنه لا يريد إلا نفسها ، فقتلته لتدفع عن نفسها ، فلا شيء عليها . وذكر حديثا يرويه الزهري ، عن القاسم بن محمد ، عن عبيد بن عمير ، أن رجلا أضاف ناسا من هذيل ، فأراد امرأة على نفسها ، فرمته بحجر فقتلته ، فقال عمر : والله لا يودى أبدا .

ولأنه إذا جاز الدفع عن ماله الذي يجوز بذله وإباحته ، فدفع المرأة عن نفسها وصيانتها عن الفاحشة التي لا تباح بحال أولى . إذا ثبت هذا ، فإنه يجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك ; لأن التمكين [ ص: 153 ] منها محرم ، وفي ترك الدفع نوع تمكين . فأما من أريدت نفسه أو ماله ، فلا يجب عليه الدفع ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة { : اجلس في بيتك فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف ، فغط وجهك } .

وفي لفظ : { فكن عبد الله المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل } . ولأن عثمان ، ترك القتال مع إمكانه مع إرادتهم نفسه .

فإن قيل : فقد قلتم في المضطر : إذا وجد ما يدفع به الضرورة ، لزمه الأكل منه ، في أحد الوجهين ، فلم لم تقولوا ذلك هاهنا ؟ قلنا : لأن الأكل يحيي به نفسه ، من غير تفويت نفس غيره ، وها هنا في إحياء نفسه فوات نفس غيره ، فلم يجب عليه ، فأما إن أمكنه الهرب ، فهل يلزمه ؟ فيه وجهان ; أحدهما ، يلزمه ; لأنه أمكنه الدفع عن نفسه ، من غير ضرر يلحق غيره ، فلزمه ، كالأكل في المخمصة .

والثاني ، لا يلزمه ; لأنه دفع عن نفسه ، فلم يلزمه ، كالدفع بالقتال .

( 7385 ) فصل : وإذا صال على إنسان صائل ، يريد ماله أو نفسه ظلما ، أو يريد امرأة ليزني بها ، فلغير المصول عليه معونته في الدفع . ولو عرض اللصوص لقافلة ، جاز لغير أهل القافلة الدفع عنهم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : انصر أخاك ظالما ، أو مظلوما } . وفي حديث { : إن المؤمنين يتعاونون على الفتان } . ولأنه لولا التعاون لذهبت أموال الناس وأنفسهم ; لأن قطاع الطريق إذا انفردوا بأخذ مال إنسان لم يعنه غيره ، فإنهم يأخذون أموال الكل ، واحدا واحدا ، وكذلك غيرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية