صفحة جزء
( 7407 ) مسألة : قال : ( وإذا وقعت السفينة المنحدرة على المصاعدة ، فغرقتا ، فعلى المنحدرة قيمة السفينة المصاعدة ، أو أرش ما نقصت إن أخرجت ، إلا أن يكون قيم المنحدرة غلبته الريح ، فلم يقدر على ضبطها )

وجملته أن السفينتين إذا اصطدمتا ، لم تخل من حالين ; أحدهما ، أن تكونا متساويتين ، كاللتين في بحر أو ماء واقف ، أو كانت إحداهما منحدرة والأخرى مصاعدة ، فنبدأ بما إذا كانت إحداهما منحدرة والأخرى مصاعدة ; لأنها مسألة الكتاب ، ولا يخلو من حالين ; [ ص: 160 ] أحدهما ، أن يكون القيم بها مفرطا ، بأن يكون قادرا على ضبطها ، أو ردها عن الأخرى ، فلم يفعل ، أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى ، فلم يفعل ، أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجالات وغيرهما ، فعلى المنحدر ضمان المصاعدة ; لأنها تنحط عليها من علو ، فيكون ذلك سببا لغرقها ، فتنزل المنحدرة بمنزلة السائر ، والمصاعدة بمنزلة الواقف .

وإن غرقتا جميعا ، فلا شيء على المصعد ، وعلى المنحدر قيمة المصعد ، أو أرش ما نقصت إن لم تتلف كلها ، إلا أن يكون التفريط من المصعد ; بأن يمكنه العدول بسفينته ، والمنحدر غير قادر ولا مفرط ، فيكون الضمان على المصعد ; لأنه المفرط . وإن لم يكن من واحد منهما تفريط ، لكن هاجت ريح ، أو كان الماء شديد الجرية ، فلم يمكنه ضبطها ، فلا ضمان عليه ; لأنه لا يدخل في وسعه ضبطها ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

الحال الثاني : أن يكونا متساويتين ، فإن كان القيمان مفرطين ، ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر ، بما فيها من نفس ومال ، كما قلنا في الفارسين يصطدمان ، وإن لم يكونا مفرطين ، فلا ضمان عليهما . وللشافعي في حال عدم التفريط قولان ; أحدهما ، عليهما الضمان ; لأنهما في أيديهما ، فلزمهما الضمان ، كما لو اصطدم الفارسان ; لغلبة الفرسين لهما . ولنا ، أن الملاحين لا يسيران السفينتين بفعلهما ، ولا يمكنهما ضبطهما في الغالب ، ولا الاحتراز من ذلك ، فأشبه ما لو نزلت صاعقة أحرقت السفينة ، ويخالف الفرسين ، فإنه ممكن ضبطهما ، والاحتراز من طردهما .

وإن كان أحدهما مفرطا وحده ، فعليه الضمان وحده ، وإن اختلفا في تفريط القيم ، فالقول قوله مع يمينه ; لأن الأصل عدم التفريط ، وهو أمين ، فهو كالمودع . وعند الشافعي ، أنهما إذا كان مفرطين ، فعلى كل واحد من القيمين ضمان نصف سفينته ونصف سفينة صاحبه ، كقوله في اصطدام الفارسين ، على ما مضى .

( 7408 ) فصل : فإن كان القيمان مالكين للسفينتين بما فيهما تقاصا ، وأخذ ذو الفضل فضله ، وإن كانا أجيرين ، ضمنا ، ولا تقاص هاهنا ; لأن من يجب له غير من يجب عليه . وإن كان في السفينتين أحرار فهلكوا ، وكانا قد تعمدا المصادمة ، وذلك مما يقتل غالبا ، فعليهما القصاص . وإن كانوا عبيدا ، فلا ضمان على القيمين ، إذا كان حرين .

وإن لم يتعمدا المصادمة ، أو كان ذلك مما لا يقتل غالبا وجبت دية الأحرار على عاقلة القيمين ، وقيمة العبيد في أموالهما . وإن كان القيمان عبدين ، تعلق الضمان برقبتهما ، فإن تلفا جميعا ، سقط الضمان ، وأما مع عدم التفريط فلا ضمان على أحد . وإن كان في السفينتين ودائع ومضاربات ، لم تضمن ; لأن الأمين لا يضمن ، ما لم يوجد منه تفريط أو عدوان . وإن كانت السفينتان بأجرة ، فهما أمانة أيضا ، لا ضمان فيهما .

وإن كان فيهما مال يحملانه بأجرة إلى بلد آخر ، فلا ضمان ; لأن الهلاك بأمر غير مستطاع .

( 7409 ) فصل : وإن كانت إحدى السفينتين قائمة والأخرى سائرة ، فلا ضمان على الواقفة ، وعلى السائرة ضمان الواقفة ، إن كان مفرطا ، ولا ضمان عليه إن لم يفرط ، على ما قدمنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية