صفحة جزء
( 7443 ) مسألة وإذا غزا الأمير بالناس ، لم يجز لأحد أن يتعلف ، ولا يحتطب ، ولا يبارز علجا ، ولا يخرج من العسكر ، ولا يحدث حدثا ، إلا بإذنه يعني لا يخرج من العسكر لتعلف ، وهو تحصيل العلف للدواب ، ولا لاحتطاب ، ولا غيره إلا بإذن الأمير ; لقول الله تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } { وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه } .

ولأن الأمير أعرف بحال الناس ، وحال العدو ، ومكامنهم ، ومواضعهم ، وقربهم وبعدهم . فإذا خرج خارج بغير إذنه ، لم يأمن أن يصادف كمينا للعدو ، فيأخذوه ، أو طليعة لهم ، أو يرحل الأمير بالمسلمين ويتركه فيهلك . وإذا كان بإذن الأمير ، لم يأذن لهم إلا إلى مكان آمن ، وربما يبعث معهم من الجيش من يحرسهم ويطلع لهم .

وأما المبارزة ، فتجوز بإذن الأمير ، في قول عامة أهل العلم ، إلا الحسن ، فإنه لم يعرفها ، وكرهها . ولنا ، أن حمزة ، وعليا وعبيدة بن الحارث بارزوا يوم بدر ، بإذن النبي صلى الله عليه وسلم . وبارز علي عمرو بن عبد ود في غزوة الخندق فقتله . وبارز مرحبا يوم حنين . وقيل بارزه محمد بن مسلمة ، وبارزه قبل ذلك عامر بن الأكوع فاستشهد .

وبارز البراء بن مالك مرزبان الزأرة فقتله ، وأخذ سلبه فبلغ ثلاثين ألفا . وروي عنه أنه قال : قتلت تسعة وتسعين رئيسا من المشركين مبارزة ، سوى من شاركت فيه .

وبارز شبر بن علقمة أسوارا فقتله ، فبلغ سلبه اثني عشر ألفا ، فنفله إياه سعد ولم يزل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبارزون في عصر النبي وبعده ، ولم ينكره منكر فكان ذلك إجماعا ، وكان أبو ذر يقسم أن قوله تعالى { هذان خصمان اختصموا في ربهم } .

نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر ، وهم حمزة ، وعلي ، وعبيدة ، بارزوا عتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة ، وقال أبو قتادة بارزت رجلا يوم حنين ، فقتلته .

إذا ثبت هذا ، فإنه ينبغي أن يستأذن الأمير في المبارزة إذا أمكن . وبه قال الثوري ، وإسحاق ورخص فيها مالك ، والشافعي ، وابن المنذر لخبر أبي قتادة ، فإنه لم يعلم أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أكثر من حكينا عنهم المبارزة ، لم يعلم منهم استئذان .

ولنا أن الإمام أعلم بفرسانه وفرسان العدو ، ومتى برز الإنسان إلى من لا يطيقه ، كان معرضا نفسه للهلاك ، فيكسر قلوب المسلمين ، فينبغي أن يفوض ذلك إلى الإمام ، ليختار للمبارزة من يرضاه لها ، فيكون أقرب إلى الظفر وجبر قلوب المسلمين وكسر قلوب المشركين . فإن قيل : فقد أبحتم له أن ينغمس في الكفار ، وهو سبب لقتله . قلنا : إذا كان مبارزا تعلقت قلوب الجيش به ، وارتقبوا ظفره ، فإن ظفر جبر قلوبهم ، وسرهم ، وكسر قلوب الكفار ، وإن قتل كان بالعكس ، والمنغمس يطلب الشهادة ، لا يترقب منه ظفر ولا مقاومة

. فافترقا .

وأما مبارزة أبي قتادة فغير لازمة ، فإنها كانت بعد التحام الحرب ، رأى رجلا يريد أن يقتل مسلما ، فضربه أبو قتادة ، فضمه ضمة كاد يقتله .

وليس هذا هو المبارزة المختلف فيها ، بل المختلف فيها أن يبرز رجل بين الصفين قبل التحام الحرب ، [ ص: 177 ] يدعو إلى المبارزة ، فهذا هو الذي يعتبر له إذن الإمام ، لأن عين الطائفتين تمتد إليهما ، وقلوب الفريقين تتعلق بهما ، وأيهما غلب سر أصحابه ، وكسر قلوب أعدائه ، بخلاف غيره ، إذا ثبت هذا ، فالمبارزة تنقسم ثلاثة أقسام مستحبة ، ومباحة ، ومكروهة ، أما المستحبة ; فإذا خرج علج يطلب البراز ، استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير .

لأن فيه ردا عن المسلمين ، وإظهارا لقوتهم . والمباح ; أن يبتدئ الرجل الشجاع بطلبها ، فيباح ولا يستحب ; لأنه لا حاجة إليها ، ولا يأمن أن يغلب ، فيكسر قلوب المسلمين ، إلا أنه لما كان شجاعا واثقا من نفسه ، أبيح له ; لأنه بحكم الظاهر غالب ، والمكروه أن يبرز الضعيف المنة ، الذي لا يثق من نفسه ، فتكره له المبارزة ; لما فيه من كسر قلوب المسلمين بقتله ظاهرا .

( 7444 ) فصل : إذا خرج كافر يطلب البراز ، جاز رميه وقتله ; لأنه مشرك لا عهد له ، ولا أمان له ، فأبيح قتله كغيره ، إلا أن تكون العادة جارية بينهم أن من خرج يطلب المبارزة لا يعرض له ، فيجري ذلك مجرى الشرط . وإذا خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه وجب الوفاء بشرطه ; لأن المؤمنين عند شروطهم ، فإن انهزم المسلم تاركا للقتال ، أو مثخنا بجراحته ، جاز لكل أحد قتاله ; لأن المسلم إذا صار إلى هذه الحال فقد انقضى قتاله ، وإن كان المسلم شرط عليه أن لا يقاتل حتى يرجع إلى صفه وفى له بالشرط ، إلا أن يترك قتاله ، أو أثخنه بالجراح ، فيتبعه ليقتله ، أو يجهز عليه ، فيجوز أن يحولوا بينه وبينه ، فإن قاتلهم قاتلوه ; لأنه إذا منعهم إنقاذه فقد نقض أمانه .

وإن أعان الكفار صاحبهم ، فعلى المسلمين أن يعينوا صاحبهم أيضا ، ويقاتلوا من أعان عليه ، ولا يقاتلونه ; لأنه ليس بصنع من جهته ، فإن كان قد استنجدهم ، أو علم منه الرضا بفعلهم ، صار ناقضا لأمانه ، وجاز لهم قتله . وذكر الأوزاعي أنه ليس للمسلمين معاونة صاحبهم ، وإن أثخن بالجراح . قيل له : فخاف المسلمون على صاحبهم ؟ قال : وإن ; لأن المبارزة إنما تكون هكذا ، ولكن لو حجزوا بينهما ، وخلوا سبيل العلج .

قال : فإن أعان العدو صاحبهم ، فلا بأس أن يعين المسلمون صاحبهم . ولنا ، أن حمزة ، وعليا أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة ، حين أثخن عبيدة

التالي السابق


الخدمات العلمية