صفحة جزء
( 7451 ) مسألة وإذا سبى الإمام فهو مخير ، إن رأى قتلهم ، وإن رأى من عليهم وأطلقهم بلا عوض ، وإن رأى أطلقهم على مال يأخذه منهم ، وإن رأى فادى بهم ، وإن رأى استرقهم ، أي ذلك رأى فيه نكاية للعدو وحظا للمسلمين فعل ، وجملته أن من أسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب ; أحدها ، النساء والصبيان ، فلا يجوز قتلهم ، ويصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبي ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن قتل النساء والولدان } . متفق عليه .

وكان عليه الصلاة والسلام يسترقهم إذا سباهم . الثاني ، الرجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرون بالجزية ، فيتخير الإمام فيهم بين أربعة أشياء ; القتل ، والمن بغير عوض ، والمفاداة بهم ، واسترقاقهم . الثالث ، الرجال من عبدة الأوثان وغيرهم ممن لا يقر بالجزية ، فيتخير ، الإمام فيهم بين ثلاثة أشياء ; القتل ، أو المن ، والمفاداة ، ولا يجوز استرقاقهم . وعن أحمد جواز استرقاقهم . وهو مذهب الشافعي .

وبما ذكرنا في أهل الكتاب قال الأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور . وعن مالك كمذهبنا . وعنه لا يجوز المن بغير عوض ; لأنه لا مصلحة فيه ، وإنما يجوز للإمام فعل ما فيه المصلحة ، وحكي عن الحسن ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، كراهة قتل الأسرى .

وقالوا : لو من عليه أو فاداه كما صنع بأسارى بدر . ولأن الله تعالى قال : { فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء } . فخير بعد الأسر بين هذين لا غير . وقال أصحاب الرأي : إن شاء ضرب أعناقهم ، وإن شاء استرقهم ، لا غير ، ولا يجوز من ولا فداء ; لأن الله تعالى قال : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . بعد قوله : { فإما منا بعد وإما فداء } . وكان عمر بن عبد العزيز ، وعياض بن عقبة ، يقتلان الأسارى .

ولنا ، على جواز المن والفداء قول الله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } . وأن النبي صلى الله عليه وسلم من على ثمامة بن أثال ، [ ص: 180 ] وأبي عزة الشاعر ، وأبي العاص بن الربيع ، وقال في أسارى بدر : لو كان مطعم بن عدي حيا ، ثم سألني في هؤلاء النتنى ، لأطلقتهم له . وفادى أسارى بدر ، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا ، كل رجل منهم بأربعمائة ، وفادى يوم بدر رجلا برجلين ، وصاحب العضباء برجلين .

وأما القتل ; فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجال بني قريظة ، وهم بين الستمائة والسبعمائة ، وقتل يوم بدر النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، صبرا ، وقتل أبا عزة يوم أحد وهذه قصص عمت واشتهرت ، وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم مرات ، وهو دليل على جوازها .

ولأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى ، فإن منهم من له قوة ونكاية في المسلمين ، وبقاؤه ضرر عليهم ، فقتله أصلح ، ومنهم الضعيف الذي له مال كثير ، ففداؤه أصلح ، ومنهم حسن الرأي في المسلمين ، يرجى إسلامه بالمن عليه ، أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم ، والدفع عنهم ، فالمن عليه أصلح ، ومنهم من ينتفع بخدمته ، ويؤمن شره ، فاسترقاقه أصلح ، كالنساء والصبيان ، والإمام أعلم بالمصلحة ، فينبغي أن يفوض ذلك إليه ، وقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } عام لا ينسخ به الخاص ، بل ينزل على ما عدا المخصوص ، ولهذا لم يحرموا استرقاقه ، فأما عبدة الأوثان ، ففي استرقاقهم روايتان ; إحداهما ، لا يجوز .

وهو مذهب الشافعي . وقال أبو حنيفة : يجوز في العجم دون العرب ، بناء على قوله في أخذ الجزية منهم . ولنا ، أنه كافر لا يقر بالجزية ، فلم يقر بالاسترقاق كالمرتد ، وقد ذكرنا الدليل عليه ، إذا ثبت هذا ، فإن هذا تخيير مصلحة واجتهاد ، لا تخيير شهوة ، فمتى رأى المصلحة في خصلة من هذه الخصال ، تعينت عليه ، ولم يجز العدول عنها ، ومتى تردد فيها ، فالقتل أولى .

قال مجاهد في أميرين ; أحدهما يقتل الأسرى : وهو أفضل . وكذلك قال مالك . وقال إسحاق : الإثخان أحب إلي ، إلا أن يكون معروفا يطمع به في الكثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية