صفحة جزء
( 7472 ) أنه إنما يستحق السلب بشروط أربعة ; أحدها ، أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم ، فأما إن قتل امرأة ، أو صبيا ، أو شيخا فانيا ، أو ضعيفا مهينا ، ونحوهم ممن لا يقاتل ، لم يستحق سلبه . لا نعلم فيه خلافا . وإن كان أحد هؤلاء يقاتل ، استحق قاتله سلبه ، لأنه يجوز قتله ، ومن قتل أسيرا له أو لغيره ، لم يستحق سلبه ; لذلك . الثاني أن يكون المقتول فيه منعة ، غير مثخن بالجراح ، فإن كان مثخنا بالجراح ، فليس لقاتله شيء من سلبه . وبهذا قال مكحول ، وجرير بن عثمان ، والشافعي ; لأن معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل ، وذفف عليه ابن مسعود ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، ولم يعط ابن مسعود شيئا .

وإن قطع يدي رجل ورجليه ، وقتله آخر ، فالسلب للقاطع دون القاتل ; لأن القاطع هو الذي كفى المسلمين شره . وإن قطع يديه أو رجليه ، وقتله الآخر ، فالسلب للقاطع ، في أحد الوجهين ; لأنه عطله ، فأشبه الذي قتله ، والثاني سلبه في الغنيمة ; لأنه إن كانت رجلاه سالمتين ، فإنه يعدو ويكثر ، وإن كانت يداه سالمتين ، فإنه يقاتل بهما ، فلم يكف القاطع شره كله ، ولا يستحق القاتل سلبه ; لأنه مثخن بالجراح . وإن قطع يده ورجله من خلاف ، فكذلك . وإن قطع إحدى يديه وإحدى رجليه ، ثم قتله آخر ، فسلبه غنيمة .

ويحتمل أنه للقاتل ; لأنه قاتل لمن لم يكف المسلمين شره . وإن عانق رجل رجلا ، فقتله آخر ، فالسلب للقاتل . وبهذا قال الشافعي . وقال الأوزاعي : هو للمعانق . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم { : من قتل قتيلا ، فله سلبه . } ولأنه كفى المسلمين شره ، فأشبه ما لو لم [ ص: 191 ] يعانقه الآخر ، وكذلك لو كان الكافر مقبلا على رجل يقاتله ، فجاء آخر من ورائه ، فضربه فقتله ، فسلبه لقاتله ، بدليل قصة قتيل أبي قتادة .

الثالث ، أن يقتله أو يثخنه بجراح تجعله في حكم المقتول . قال أحمد : لا يكون السلب إلا للقاتل . وإن أسر رجلا ، لم يستحق سلبه ، سواء قتله الإمام أو لم يقتله . وقال مكحول : لا يكون السلب إلا لمن أسر علجا أو قتله . وقال القاضي : إذا أسر رجل ، فقتله الإمام صبرا ، فسلبه لمن أسره ; لأن الأسر أصعب من القتل ، فإذا استحق سلبه بالقتل ، كان تنبيها على استحقاقه بالأسر . قال : وإن استبقاه الإمام ، كان له فداؤه ، أو رقبته وسلبه ، لأنه كفى المسلمين شره .

ولنا ، أن المسلمين أسروا أسرى يوم بدر ، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة والنضر بن الحارث ، واستبقى سائرهم ، فلم يعط من أسرهم أسلابهم ، ولا فداءهم ، وكان فداؤهم غنيمة . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل السلب للقاتل ، وليس الآسر بقاتل ، ولأن الإمام مخير في الأسرى ، ولو كان لمن أسره ، كان أمره إليه دون الإمام . الرابع ، أن يغرر بنفسه في قتله ، فأما إن رماه بسهم من صف المسلمين فقتله ، فلا سلب له . قال أحمد : السلب للقاتل ، إنما هو في المبارزة ، لا يكون في الهزيمة .

وإن حمل جماعة من المسلمين على واحد فقتلوه ، فالسلب في الغنيمة ; لأنهم لم يغرروا بأنفسهم في قتله . وإن اشترك في قتله اثنان ، فظاهر كلام أحمد أن سلبه غنيمة ، فإنه قال ، في رواية حرب : له السلب إذا انفرد بقتله . وحكى أبو الخطاب ، عن القاضي ، إنهما يشتركان في سلبه ; لقوله : { من قتل قتيلا ، فله سلبه } .

وهذا يتناول الواحد والجماعة ، ولأنهما اشتركا في السبب ، فاشتركا في السلب . ولنا ، أن السلب إنما يستحق بالتغرير في قتله ، ولا يحصل ذلك بقتل الاثنين ، فلم يستحق به السلب ، كما لو قتله جماعة ، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرك بين اثنين في سلب .

فإن اشترك اثنان في ضربه ، وكان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر ، فالسلب له ; لأن أبا جهل ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ ابن عفراء ، وأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال : { كلاكما قتله . وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح . } وإن انهزم الكفار كلهم ، فأدرك إنسان منهزما منهم ، فقتله ، فلا سلب له ; لأنه لم يغرر في قتله .

وإن كانت الحرب قائمة ، فانهزم أحدهم فقتله إنسان ، فسلبه لقاتله ; لأن الحرب فر وكر ، وقد قتل سلمة بن الأكوع طليعة للكفار وهو منهزم ، { فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من قتله ؟ . قالوا : سلمة بن الأكوع . قال : له سلبه أجمع } . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو ثور ، وداود ، وابن المنذر : السلب لكل قاتل ; لعموم الخبر ، واحتجاجا بحديث سلمة هذا .

ولنا ، أن ابن مسعود ذفف على أبي جهل ، فلم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه ، وأمر بقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث صبرا ، ولم يعط سلبهما من قتلهما ، وقتل بني قريظة صبرا ، فلم يعط من قتلهم أسلابهم ، وإنما أعطى السلب [ ص: 192 ] من قتل مبارزا ، أو كفى المسلمين شره ، وغرر في قتله ، والمنهزم بعد انقضاء الحرب ، قد كفى المسلمين شر نفسه ، ولم يغرر قاتله بنفسه في قتله ، فلم يستحق سلبه كالأسير .

وأما الذي قتله سلمة ، فكان متحيزا إلى فئة ، وكذلك من قتل حال قيام الحرب ، فإنه إن كان منهزما فهو متحيز إلى فئة ، وراجع إلى القتال ، فأشبه الكار ، فإن القتال فر وكر . إذا ثبت هذا ، فإنه لا يشترط في استحقاق السلب أن تكون المبارزة بإذن الأمير ; لأن كل من قضي له بالسلب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيهم من نقل إلينا أنه أذن له في المبارزة ، مع أن عموم الخبر يقتضي استحقاق السلب لكل قاتل ، إلا من خصه الدليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية