صفحة جزء
( 7474 ) أن القاتل يستحق السلب ، قال ذلك الإمام أو لم يقل . وبه قال الأوزاعي ، والليث ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وقال أبو حنيفة ، والثوري : لا يستحقه إلا أن يشرطه الإمام له . وقال مالك : لا يستحقه ، إلا أن يقول الإمام ذلك .

ولم ير أن يقول الإمام ذلك إلا بعد انقضاء الحرب ، على ما تقدم من مذهبه في النفل ، وجعلوا السلب هاهنا من جملة الأنفال . [ ص: 193 ] وقد روي عن أحمد مثل قولهم ، وهو اختيار أبي بكر ، واحتجوا بما روى عوف بن مالك أن مدديا اتبعهم ، فقتل علجا ، فأخذ خالد بعض سلبه ، وأعطاه بعضه ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { لا تعطه يا خالد } . رواه سعيد ، وأبو داود . وأنا اختصرته .

ورويا بإسنادهما عن شبر بن علقمة ، قال : بارزت رجلا يوم القادسية ، فقتلته ، وأخذت سلبه ، فأتيت به سعدا ، فخطب سعد أصحابه ، وقال : إن هذا سلب شبر ، خير من اثني عشر ألفا ، وإنا قد نفلناه إياه . ولو كان حقا له ، لم يحتج إلى نفله ، ولأن عمر أخذ الخمس من سلب البراء ، ولو كان حقا له لم يجز أن يأخذ منه شيئا ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع سلب أبي قتادة إليه من غير بينة ولا يمين . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من قتل قتيلا ، فله سلبه } .

وهذا من قضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورة ، التي عمل بها الخلفاء بعده ، وأخبارهم التي احتجوا بها تدل على ذلك ; فإن عوف بن مالك احتج على خالد حين أخذ سلب المددي ، فقال له عوف : أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ؟ قال : بلى . وقول عمر : إنا كنا لا نخمس السلب .

يدل على أن هذه قضية عامة في كل غزوة ، وحكم مستمر لكل قاتل ، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم خالدا أن لا يرد على المددي عقوبة ، حين أغضبه عوف بتقريعه خالدا بين يديه ، وقوله : قد أنجزت لك ما ذكرت لك من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما خبر شبر ، فإنما أنفذ له سعد ما قضى له به رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه نفلا ، لأنه في الحقيقة نفل ; لأنه زيادة على سهمه .

وأما أبو قتادة ، فإن خصمه اعترف له به ، وصدقه ، فجرى مجرى البينة ، ولأن السلب مأخوذ من الغنيمة بغير تقدير الإمام واجتهاده ، فلم يفتقر إلى شرطه ، كالسهم . إذا ثبت هذا ، فإن أحمد قال : لا يعجبني أن يأخذ السلب إلا بإذن الإمام . وهو قول الأوزاعي .

وقال ابن المنذر ، والشافعي : له أخذه بغير إذن ; لأنه استحقه بجعل النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك ، ولا يأمن إن أظهره عليه أن لا يعطاه . ووجه قول أحمد ، أنه فعل مجتهد فيه ، فلم ينفذ أمره فيه إلا بإذن الإمام كأخذ سهمه . ويحتمل أن يكون هذا من أحمد على سبيل الاستحباب ، ليخرج من الخلاف ، لا على سبيل الإيجاب فعلى هذا ، إن أخذه بغير إذن ، ترك الفضيلة ، وله ما أخذه .

التالي السابق


الخدمات العلمية