صفحة جزء
( 7494 ) قال : ( إلا أن يكون فرسه هجينا ، فيعطى سهما له ، وسهما لفرسه ) الهجين : الذي أبوه عربي وأمه برذونة . والمقرف : الذي أبوه برذون وأمه عربية ، قالت هند بنت النعمان بن بشير :

وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل     فإن ولدت مهرا كريما فبالحري
وإن يك أقراف فما أنجب الفحل

وأراد الخرقي بالهجين ها هنا ما عدا العربي ، والله أعلم . وقد حكي عن أحمد ، أنه قال الهجين البرذون .

واختلفت الرواية عنه في سهمانها ، فقال الخلال : تواترت الروايات عن أبي عبد الله في سهام البرذون ، أنه سهم واحد . واختاره أبو بكر ، والخرقي ، وهو قول الحسن . قال الخلال : وروى عنه ثلاثة متيقظون أنه يسهم للبرذون مثل سهم العربي . واختاره الخلال ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، ومالك ، والشافعي ، والثوري ; لأن الله تعالى قال : { والخيل والبغال } .

وهذه من الخيل ، ولأن الرواة رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما . وهذا عام في كل فرس ، ولأنه حيوان ذو سهم ، فاستوى فيه العربي وغيره ، كالآدمي . وحكى أبو بكر ، عن أحمد . رحمه الله ، رواية ثالثة ، أن البراذين إن أدركت إدراك العراب ، أسهم لها مثل الفرس [ ص: 202 ] العربي ، وإلا فلا . وهذا قول ابن أبي شيبة ، وابن أبي خيثمة ، وأبي أيوب ، والجوزجاني ; لأنها من الخيل ، وقد عملت عمل العراب ، فأعطيت سهما كالعربي .

وحكى القاضي رواية رابعة أنه لا يسهم لها . وهو قول مالك بن عبد الله الخثعمي ; لأنه حيوان لا يعمل عمل الخيل العراب ، فأشبه البغال . ويحتمل أن تكون هذه الرواية فيما لا يقارب العتاق منها ; لما روى الجوزجاني ، بإسناده عن أبي موسى ، أنه كتب إلى عمر بن الخطاب : إنا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكنا ، فما ترى يا أمير المؤمنين في سهمانها ؟ فكتب إليه : تلك البراذين ، فما قارب العتاق منها ، فاجعل له سهما واحدا ، وألغ ما سوى ذلك .

ولنا ، ما روى سعيد بإسناده عن أبي الأقمر قال : أغارت الخيل على الشام ، فأدركت العراب من يومها ، وأدركت الكوادن ضحى الغد ، وعلى الخيل رجل من همدان ، يقال له : المنذر بن أبي حميضة ، فقال : لا أجعل الذي أدرك من يومه مثل الذي لم يدرك . ففضل الخيل ، فقال عمر : هبلت الوادعي أمه ، أمضوها على ما قال . ولم يعرف عن الصحابة خلاف هذا القول . وروى مكحول ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفرس العربي سهمين ، وأعطى الهجين سهما . رواه سعيد أيضا ، ولأن نفع العربي وأثره في الحرب أفضل ، فيكون سهمه أرجح ، كتفاضل من يرضخ له . وأما قولهم : إنه من الخيل . قلنا : والخيل في نفسها تتفاضل ، فتتفاضل سهمانها . وأما قولهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفرس سهمين ، من غير تفريق . قلنا : هذه قضية في عين ، لا عموم لها ، فيحتمل أنه لم يكن فيها برذون ، وهو الظاهر ، فإنها من خيل العرب ، ولا براذين فيها ، ودل على صحة هذا ، أنهم لما وجدوا البراذين بالعراق ، أشكل عليهم أمرها ، وأن عمر فرض لها سهما واحدا ، وأمضى ما قال المنذر بن أبي حميضة في تفضيل العراب عليها .

ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهما ، لم يخف ذلك على عمر ، ولا خالفه ، ولو خالفه لم يسكت الصحابة عن إنكاره عليه ، سيما وابنه هو راوي الخبر ، فكيف يخفى ذلك عليه ، ويحتمل أنه فضل العراب أيضا ، فلم يذكره الراوي ، لغلبة العراب ، وقلة البراذين ، ويدل على صحة هذا التأويل ، خبر مكحول الذي رويناه ، وقياسها على الآدمي لا يصح ; لأن العربي منهم لا أثر له في الحرب زيادة على غيره بخلاف العربي من الخيل على غيره . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية