صفحة جزء
( 7502 ) قال : ( ويرضخ للمرأة والعبد ) معناه أنهم يعطون شيئا من الغنيمة دون السهم ، ولا يسهم لهم سهم كامل ، ولا تقدير لما يعطونه ، بل ذلك إلى اجتهاد الإمام ، فإن رأى التسوية بينهم سوى بينهم ، وإن رأى التفضيل فضل . وهذا قول أكثر أهل العلم ; منهم سعيد بن المسيب ، ومالك ، والثوري ، والليث ، والشافعي ، وإسحاق ، وروي ذلك عن ابن عباس وقال أبو ثور : يسهم للعبد .

وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والنخعي ; لما [ ص: 205 ] روي عن الأسود بن يزيد ، أنه شهد فتح القادسية عبيد ، فضرب لهم سهامهم . ولأن حرمة العبد في الدين كحرمة الحر ، وفيه من الغناء مثل ما فيه فوجب أن يسهم له ، كالحر .

وحكي عن الأوزاعي : ليس للعبيد سهم ولا رضخ ، إلا أن يجيئوا بغنيمة ، أو يكون لهم غناء ، فيرضخ لهم . قال : ويسهم للمرأة ; لما روى جرير بن زياد ، عن جدته ، أنها حضرت فتح خيبر ، قالت : فأسهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسهم للرجال . وأسهم أبو موسى في غزوة تستر لنسوة معه . وقال أبو بكر بن أبي مريم : أسهمن النساء يوم اليرموك . وروى سعيد ، بإسناده عن ابن شبل ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين بسهم ، فقال رجل من القوم : أعطيت سهلة مثل سهمي } .

ولنا ، ما روي عن ابن عباس ، أنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ، فيداوين الجرحى ، ويحذين من الغنيمة ، وأما سهم ، فلم يضرب لهن } رواه مسلم . وروى سعيد عن يزيد بن هارون ، أن نجدة كتب إلى ابن عباس ، يسأله عن المرأة والمملوك يحضران الفتح ، ألهما من المغنم شيء ؟ قال يحذيان ، وليس لهما شيء . وفي رواية قال : ليس لهما سهم ، وقد يرضخ لهما . وعن عمير مولى آبي اللحم قال شهدت خيبر مع سادتي ، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع . رواه أبو داود . واحتج به أحمد ، ولأنهما ليسا من أهل القتال ، فلم يسهم لهما ، كالصبي . قالت عائشة : يا رسول الله ، هل على النساء جهاد ؟ قال : " نعم ، جهاد لا قتال فيه ; الحج ، والعمرة " . وقال عمر بن أبي ربيعة :

كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول

ولأن المرأة ضعيفة ، يستولي عليها الخور ، فلا تصلح للقتال ، ولهذا لم تقتل إذا كانت حربية . فأما ما روي في إسهام النساء ، فيحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما ، بدليل أن في حديث حشرج ، أنه جعل لهن نصيبا تمرا .

ولو كان سهما ، ما اختص التمر ، ولأن خيبر قسمت على أهل الحديبية ، نفر معدودين في غير حديثها ، ولم يذكرن منهم . ويحتمل أنه أسهم لهن مثل سهام الرجال من التمر خاصة ، أو من المتاع دون الأرض . وأما حديث سهلة ، فإن في الحديث أنها ولدت ، فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لها ولولدها ، فبلغ رضخهما سهم رجل ، ولذلك عجب الرجل الذي قال : أعطيت سهلة مثل سهمي .

ولو كان هذا مشهورا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما عجب منه .

( 7503 ) فصل : والمدبر ، والمكاتب ، كالقن ; لأنهم عبيد . فإن عتق منهم قبل انقضاء الحرب أسهم لهم . وكذلك إن قتل سيد المدبر قبل تقضي الحرب ، وهو يخرج من الثلث ، عتق ، وأسهم له .

وأما من بعضه حر ، فقال أبو بكر : يرضخ له بقدر ما فيه من الرق ، ويسهم له بقدر ما فيه من الحرية ; فإذا كان نصفه حرا ، أعطي نصف سهم ، ورضخ له نصف الرضخ ; لأن هذا مما يمكن تبعيضه ، يقسم على قدر ما فيه من الحرية والرق والميراث . وظاهر كلام أحمد ، أنه يرضخ له ; لأنه ليس من أهل وجوب القتال ، فأشبه الرقيق .

( 7504 ) فصل : والخنثى المشكل يرضخ له ; لأنه لم يثبت أنه رجل يقسم له ، ولأنه ليس من أهل وجوب [ ص: 206 ] الجهاد ، فأشبه المرأة ، ويحتمل أن يقسم له نصف سهم ونصف الرضخ كالميراث .

فإن انكشف حاله ، فتبين أنه رجل ، أتم له سهم رجل ، سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعده ، أو قبل القسمة أو بعدها ; لأننا تبينا أنه كان مستحقا للسهم ، وأنه أعطي دون حقه ، فأشبه ما لو أعطي بعض الرجال دون حقه غلطا .

( 7505 ) فصل : والصبي يرضخ ، ولا يسهم له . وبه قال الثوري ، والليث ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور . وعن القاسم ، وسالم ، في الصبي يغزو به ، ليس له شيء . وقال مالك : يسهم له إذا قاتل ، وأطاق ذلك ، ومثله قد بلغ القتال ; لأنه حر ذكر مقاتل ، فيسهم له كالرجل . وقال الأوزاعي : يسهم له . وقال : أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان بخيبر ، وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب

. وروى الجوزجاني ، بإسناده عن الوضين بن عطاء ، قال : حدثتني جدتي ، قالت : كنت مع حبيب بن مسلمة ، وكان يسهم لأمهات الأولاد ، لما في بطونهن .

ولنا ، ما روي عن سعيد بن المسيب ، قال : كان الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو ، في صدر هذه الأمة

. وروى الجوزجاني ، بإسناده ، أن تميم بن قرع المهدي ، كان في الجيش الذين فتحوا الإسكندرية ، في المرة الآخرة ، قال : فلم يقسم لي عمرو من الفيء شيئا ، وقال : غلام لم يحتلم . حتى كاد يكون بين قومي وبين أناس من قريش في ذلك ثائرة ، فقال بعض القوم : فيكم أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألوهم . فسألوا أبا نضرة الغفاري ، وعقبة بن عامر ، فقالا : انظروا ، فإن كان قد أشعر ، فاقسموا له ، فنظر إلي بعض القوم ، فإذا أنا قد أنبت ، فقسم لي .

قال الجوزجاني هذا من مشاهير حديث مصر وجيده . ولأنه ليس من أهل القتال ، فلم يسهم له كالعبد ، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم لصبي ، بل كان لا يجيزهم في القتال ، فإن ابن عمر قال : عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزني في القتال ، وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة ، فأجازني ، وما ذكروه يحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما ، بدليل ما ذكرناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية