صفحة جزء
( 7541 ) مسألة : قال ( وما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين وعبيدهم ، فأدركه صاحبه قبل قسمه ، فهو أحق به ) .

وإن أدركه مقسوما ، فهو أحق به بالثمن الذي ابتاعه من المغنم ، في إحدى الروايتين ، والرواية الأخرى ، إذا قسم ، فلا حق له فيه بحال يعني إذا أخذ الكفار أموال المسلمين ، ثم قهرهم المسلمون ، فأخذوها منهم ، فإن علم صاحبها قبل قسمها ، ردت إليه بغير شيء ، في قول عامة أهل العلم ; منهم عمر رضي الله عنه وعطاء ، والنخعي ، وسلمان بن ربيعة ، والليث ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

وقال الزهري : لا يرد إليه ، وهو للجيش . ونحوه عن عمرو بن دينار ; لأن الكفار ملكوه باستيلائهم ، فصار غنيمة ، كسائر أموالهم .

ولنا ، ما روى ابن عمر ، أن غلاما له أبق إلى العدو ، فظهر عليه المسلمون ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر ، ولم يقسم . وعنه ، قال : ذهب فرس له ، فأخذها العدو ، فظهر عليه المسلمون ، فرد عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . رواهما أبو داود . وعن جابر بن حيوة ، أن أبا عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب ، فيما أحرز المشركون من المسلمين ، ثم ظهر المسلمون عليهم بعد . قال : من وجد ماله بعينه ، فهو أحق به ، ما لم يقسم . رواه سعيد ، والأثرم .

فأما ما أدركه بعد أن قسم ، ففيه روايتان ; إحداهما ، أن صاحبه أحق به ، بالثمن الذي حسب به على من أخذه ، وكذلك إن بيع ثم قسم ثمنه ، فهو أحق به بالثمن . وهذا قول أبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، ومالك ; لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أصبته قبل أن نقسمه ، فهو لك ، وإن أصبته بعدما قسم ، أخذته بالقيمة .

ولأنه إنما امتنع أخذه له بغير شيء كي لا يفضي إلى حرمان أخذه من الغنيمة ، أو يضيع الثمن على المشتري ، وحقهما ينجبر بالثمن ، فيرجع صاحب المال في عين ماله ، بمنزلة مشتري الشقص المشفوع . إلا أن المحكي عن مالك وأبي حنيفة ، أنه يأخذه بالقيمة . ويروى عن مجاهد مثله . والرواية الثانية عن أحمد ، أنه إذا قسم فلا حق له فيه بحال

. نص عليه ، في رواية أبي داود وغيره . وهو قول عمر ، وعلي ، وسلمان بن ربيعة ، وعطاء ، والنخعي ، والليث . قال أحمد : أما قول من قال : هو أحق بالقيمة . فهو قول ضعيف عن مجاهد . وقال الشافعي : يأخذه صاحبه قبل القسمة وبعدها ، ويعطى مشتريه ثمنه من خمس المصالح ; لأنه لم يزل عن ملك صاحبه ، فوجب أن يستحق أخذه بغير شيء ، كما قبل القسمة ، ويعطي من حسب عليه القيمة ; لئلا يفضي إلى حرمان آخذه حقه من الغنيمة ، وجعل من سهم المصالح ; لأن هذا منها .

وهذا قول ابن المنذر . [ ص: 219 ] ولنا ، ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى السائب : أيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه ، فهو أحق به من غيره ، وإن أصابه في أيدي التجار بعدما اقتسم ، فلا سبيل له إليه . وقال سلمان بن ربيعة : إذا قسم فلا حق له فيه . رواهما سعيد ، في " سننه " . ولأنه إجماع . قال أحمد : إنما قال الناس فيها قولين ; إذا قسم فلا شيء له .

وقال قوم : إذا قسم فهو له بالثمن . فأما أن يكون له بعد القسمة بغير ذلك ، فلم يقله أحد ، ومتى ما انقسم أهل العصر على قولين في حكم ، لم يجز إحداث قول ثالث ، لأنه يخالف الإجماع ، فلم يجز المصير إليه . وقد روى أصحابنا عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

{ من أدرك ماله قبل أن يقسم ، فهو له ، وإن أدركه بعد أن قسم ، فليس له فيه شيء . } والمعمول على ما ذكرنا من الإجماع ، وقولهم : لم يزل ملك صاحبه عنه . غير مسلم . ( 7542 ) فصل : وإن أخذه أحد الرعية بهبة أو سرقة أو بغير شيء ، فصاحبه أحق به بغير شيء . وقال أبو حنيفة : لا يأخذه إلا بالقيمة ، لأنه صار ملكا لواحد بعينه ، فأشبه ما لو قسم .

ولنا ، ما روي ، أن قوما أغاروا على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا ناقته ، وجارية من الأنصار ، فأقامت عندهم أياما ، ثم خرجت في بعض الليل ، قالت : فما وضعت يدي على ناقة إلا رغت ، حتى وضعتها على ناقة ذلول ، فامتطيتها ، ثم توجهت إلى المدينة ، ونذرت إن نجاني الله عليها أن أنحرها ، فلما قدمت المدينة ، استعرفت الناقة ، فإذا هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها ، فقلت : يا رسول الله ، إني نذرت أن أنحرها . فقال : { بئسما جازيتها ، لا نذر في معصية } . وفي رواية : { لا نذر فيما لا يملك ابن آدم } . رواه أحمد ، ومسلم .

ولأنه لم يحصل في يده بعوض ، فكان صاحبه أحق به ، كما لو أدركه في الغنيمة قبل قسمه .

فأما إن اشتراه رجل من العدو ، فليس لصاحبه أخذه إلا بثمنه ; لما روى سعيد ، حدثنا عثمان بن مطر الشيباني ، حدثنا أبو حريز ، عن الشعبي ، قال : أغار أهل ماه وأهل جلولاء على العرب ، فأصابوا سبايا من سبايا العرب ، ورقيقا ، ومتاعا ، ثم إن السائب بن الأقرع عامل عمر غزاهم ، ففتح ماه ، فكتب إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم ، قد اشتراه التجار من أهل ماه ، فكتب إليه عمر : إن المسلم أخو المسلم ، لا يخونه ، ولا يخذله ، فأيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه ، فهو أحق به ، وإن أصابه في أيدي التجار بعدما اقتسم ، فلا سبيل إليه ، وأيما حر اشتراه التجار ، فإنه يرد عليهم رءوس أموالهم ، فإن الحر لا يباع ولا يشترى .

وقال القاضي : ما حصل في يده بهبة أو سرقة أو شراء ، فهو كما لو وجده صاحبه بعد القسمة ، هل يكون صاحبه أحق به بالقيمة ؟ على روايتين ، والأولى ما ذكرناه . وإن علم الإمام بمال المسلم قبل قسمه ، فقسمه ، وجب رده ، وكان صاحبه أحق به بغير شيء ; لأن قسمته كانت باطلة من أصلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية