صفحة جزء
[ ص: 239 ] فصل : وتجوز مهادنتهم على غير مال ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم هادنهم يوم الحديبية على غير مال . ويجوز ذلك على مال يأخذه منهم ; فإنها إذا جازت على غير مال ، فعلى مال أولى . وأما إن صالحهم على مال نبذله لهم ، فقد أطلق أحمد القول بالمنع منه ، وهو مذهب الشافعي ; لأن فيه صغارا للمسلمين .

وهذا محمول على غير حال الضرورة ، فأما إن دعت إليه ضرورة ، وهو أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر ، فيجوز ; لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال ، فكذا ها هنا ، ولأن بذل المال إن كان فيه صغار ، فإنه يجوز تحمله لدفع صغار أعظم منه ، وهو القتل ، والأسر ، وسبي الذرية الذين يفضي سبيهم إلى كفرهم .

وقد روى عبد الرزاق ، في المغازي ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : { أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن ، وهو مع أبي سفيان - يعني يوم الأحزاب - : أرأيت إن جعلت لك ثلث تمر الأنصار ، أترجع بمن معك من غطفان ، وتخذل بين الأحزاب ؟ فأرسل إليه عيينة : إن جعلت لي الشطر فعلت } . قال معمر : فحدثني ابن أبي نجيح ، { أن سعد بن معاذ وسعد بن عبادة قالا : يا رسول الله ، والله لقد كان يجر سرمه في الجاهلية في عام السنة حول المدينة ، ما يطيق أن يدخلها ، فالآن حين جاء الله بالإسلام ، نعطيهم ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فنعم إذا } .

ولولا أن ذلك جائز ، لما بذله النبي صلى الله عليه وسلم . وروي { أن الحارث بن عمرو الغطفاني ، بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن جعلت لي شطر ثمار المدينة ، وإلا ملأتها عليك خيلا ورجلا . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : حتى أشاور السعود يعني . سعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ ، وسعد بن زرارة ، فشاورهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن كان هذا أمرا من السماء ، فتسليم لأمر الله تعالى ، وإن كان برأيك وهواك ، اتبعنا رأيك وهواك ، وإن لم يكن أمرا من السماء ولا برأيك وهواك ، فوالله ما كنا نعطيهم في الجاهلية بسرة ولا تمرة إلا شراء أو قرى ، فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرسوله : أتسمع ؟ } فعرضه النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم ضعفهم من قوتهم ، فلولا جوازه عند الضعف ، لما عرضه عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية