صفحة جزء
( 7599 ) مسألة ; قال : وإذا استأجر الأمير قوما يغزون مع المسلمين لمنافعهم ، لم يسهم لهم ، وأعطوا ما استؤجروا به نص أحمد على هذا ، في رواية جماعة ، فقال ، في رواية عبد الله وحنبل ، في الإمام يستأجر قوما يدخل بهم بلاد العدو : لا يسهم لهم ، ويوفي لهم بما استؤجروا عليه . وقال القاضي : هذا محمول على استئجار من لا يجب عليه الجهاد ، كالعبيد والكفار .

أما الرجال المسلمون الأحرار ، فلا يصح استئجارهم على الجهاد ; لأن الغزو يتعين بحضوره على من كان من أهله ، فإذا تعين عليه الفرض ، لم يجز أن يفعله عن غيره ، كمن عليه حجة الإسلام ، لا يجوز أن يحج عن غيره . وهذا مذهب الشافعي . ويحتمل أن يحمل كلام أحمد والخرقي على ظاهره ، في صحة الاستئجار على الغزو لمن لم يتعين عليه ; لما روى أبو داود ، بإسناده عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { للغازي أجره ، وللجاعل أجره } .

وروى سعيد بن منصور ، عن جبير بن نفير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مثل الذين يغزون من أمتي ، ويأخذون الجعل ، ويتقوون به على عدوهم ، مثل أم موسى ، ترضع ولدها ، وتأخذ أجرها } .

ولأنه أمر لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة ، فصح الاستئجار عليه ، كبناء المساجد ، أو لم يتعين عليه الجهاد ، فصح أن يؤجر نفسه عليه كالعبد . ويفارق الحج ، حيث إنه ليس بفرض عين ، وإن الحاجة داعية إليه ، وفي المنع من أخذ الجعل عليه تعطيل له ، ومنع له مما فيه للمسلمين نفع ، وبهم إليه حاجة ، فينبغي أن يجوز ، بخلاف الحج . إذا ثبت هذا ، فإن قلنا بالأول ، فالإجارة فاسدة ، وعليه الأجرة يردها ، وله سهمه ; لأن غزوه بغير أجرة .

وإن قلنا بصحته ، فظاهر كلام أحمد والخرقي ، رحمهما الله ، أنه لا سهم له ; لأن غزوه بعوض ، فكأنه واقع من غيره ، فلا يستحق شيئا . وقد روى أبو داود ، بإسناده عن يعلى بن منبه ، قال { : أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو ، وأنا شيخ كبير ، ليس لي خادم ، فالتمست أجيرا يكفيني ، وأجري له سهمه ، فوجدت رجلا ، فلما دنا الرحيل ، قال : ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي ، فسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن . فسميت له ثلاثة دنانير ، فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه ، فذكرت الدنانير ، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمره ، فقال : ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى } . ويحتمل أن يسهم له . وهو اختيار الخلال .

قال : وروى جماعة عن أحمد ، أن للأجير السهم إذا قاتل . وروى عنه جماعة ، أن كل من شهد القتال فله السهم . قال : وهذا الذي أعتمد عليه من قول أبي عبد الله . ووجه ذلك ، ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو ، وحديث جبير بن نفير ، وقول عمر : الغنيمة لمن شهد الوقعة . ولأنه حاضر للوقعة من أهل القتال ، فيسهم له كغير الأجير .

فأما الذين يعطون من حقهم من الفيء ، فلهم [ ص: 244 ] سهامهم ، لأن ذلك حق جعله الله لهم ليغزو ، لا أنه عوض عن جهاده ، بل نفع جهاده له لا لغيره . وكذلك من يعطون من الصدقات ، وهم الذين إذا نشطوا للغزو أعطوا ، فإنهم يعطون معونة ، لا عوضا ، ولذلك إذا دفع إلى الغزاة ما يتقوون به ، ويستعينون به ، كان له فيه الثواب ، ولم يكن عوضا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من جهز غازيا ، كان له مثل أجره } .

التالي السابق


الخدمات العلمية