صفحة جزء
( 7670 ) فصل : قال أصحابنا : تؤخذ الصدقة مضاعفة من مال من تؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما . وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي عبيد . وذكر أنه قول أهل الحجاز . فعلى هذا ، تؤخذ من مال نسائهم وصبيانهم ومجانينهم وزمناهم ومكافيفهم وشيوخهم ، إلا أن أبا حنيفة لا يوجب الزكاة في مال صبي ولا مجنون ، فكذا الواجب على بني تغلب ، لا يجب في مال صبي ولا مجنون ، إلا في الأرض خاصة .

وذهب الشافعي إلى أن هذا جزية تؤخذ باسم الصدقة ، فلا تؤخذ ممن لا جزية عليه ، كالنساء والصبيان والمجانين . قال : وقد روي عن عمر أنه قال : هؤلاء حمقى ، رضوا بالمعنى ، وأبوا الاسم . وقال النعمان بن زرعة خذ منهم الجزية باسم الصدقة .

ولأنهم أهل ذمة ، فكان الواجب عليهم جزية لا صدقة ، كغيرهم من أهل الذمة ، ولأنه مال يؤخذ من أهل الكتاب لحقن دمائهم ومساكنهم ، فكان جزية ، كما لو أخذ باسم الجزية ، يحققه أن الزكاة طهرة ، وهؤلاء لا طهرة لهم . فعلى هذا ، يكون مصرف المأخوذ منهم مصرف الفيء ، لا مصرف الصدقات ، وهذا أقيس . واحتج أصحابنا بأنهم سألوا عمر أن يأخذ منهم ما يأخذ بعضكم من بعض . فأجابهم عمر إليه بعد الامتناع منه ، والذي يأخذه بعضنا من بعض هو الزكاة ، من كل مال زكوي لأي مسلم كان ، من صغير وكبير ، وصحيح ومريض ، كذلك المأخوذ من بني تغلب ، ولأن نساءهم وصبيانهم صينوا عن السبي بهذا الصلح ، ودخلوا في حكمه ، فجاز أن يدخلوا في الواجب به ، كالرجال العقلاء .

وعلى هذا ، من كان منهم فقيرا أو له مال غير زكوي كالدور ، وثياب البذلة ، وعبيد الخدمة ، لا شيء عليه ، كما لا يجب ذلك على أهل الزكاة من المسلمين ، [ ص: 276 ] ولا تؤخذ مما لم يبلغ نصابا . فأما مصرف المأخوذ منهم ، فاختار القاضي أن مصرفه مصرف الفيء ; لأنه مأخوذ من مشرك ، ولأنه جزية مسماة بالصدقة .

وقال أبو الخطاب : مصرفه إلى أهل الصدقات ; لأنه مسمى باسم الصدقة مسلوك به في من يؤخذ منه - مسلك الصدقة ، فيكون مصرفه مصرفها . والأول أقيس وأصح ; لأن معنى الشيء أخص به من اسمه ، ولهذا لو سمي رجل أسدا ، أو نمرا ، أو أسود ، أو أحمر ، لم يصر له حكم المسمى بذلك ، ولأن هذا لو كان صدقة على الحقيقة ، لجاز دفعها إلى فقراء من أخذت منهم ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { أعلمهم أن عليهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم ، فترد في فقرائهم } .

التالي السابق


الخدمات العلمية