صفحة جزء
( 7733 ) فصل : وإن رمى صيدا فأثبته ، ثم رماه آخر فأصابه ، لم تخل رمية الأول من قسمين ; أحدهما ، أن تكون موحية ، مثل أن تنحره ، أو تذبحه ، أو تقع في خاصرته أو قلبه ، فينظر في رمية الثاني ، فإن كانت غير موحية ، فهو حلال ، ولا ضمان على الثاني ، إلا أن ينقصه برميه شيئا ، فيضمن ما نقصه ; لأنه بالرمية الأولى صار مذبوحا . وإن كانت رمية الثاني موحية ، فقال القاضي وأصحابه : يحل ، كالتي قبلها . وهو مذهب الشافعي .

ويجيء على قول الخرقي أن يكون حراما ، كقوله في من ذبح ، فأتى على المقاتل ، فلم تخرج الروح حتى وقعت في الماء ، أو وطئ عليها شيء ، لم يؤكل . القسم الثاني ، أن يكون جرح الأول غير موح ، فينظر في رمية الثاني ، فإن كانت موحية ، فهو محرم ; لما ذكرنا ، إلا أن تكون ذبحته أو نحرته ، وإن كانت غير موحية ، فلها ثلاث صور ; [ ص: 307 ] إحداها ، أنه ذكي بعد ذلك ، فيحل .

والثانية ، لم يذك حتى مات ، فإنه يحرم ; لأنه مات من جرحين ; مبيح ومحرم ، فحرم ، كما لو مات من جرح مسلم ومجوسي ، وعلى الثاني ضمان جميعه ; لأن جرحه هو الذي حرمه ، فكان جميع الضمان عليه . والثالثة ، قدر على ذكاته فلم يذكه حتى مات ، حرم لمعنيين ; أحدهما ، أنه ترك ذكاته مع إمكانها . والثاني ، أنه مات من جرحين ; مبيح ، ومحرم ، ويلزم الثاني الضمان ، وفي قدره احتمالان ; أحدهما ، يضمن جميعه ، كالتي قبلها .

قال القاضي : هذا قول الخرقي ; لإيجابه الضمان في مسألته على الثالث من غير تفريق . وليست هذه مسألة الخرقي لقوله : ثم رماه الثالث فقتله . فتعين حملها على أن جرح الثاني كان موحيا لا غير .

الاحتمال الثاني ، أن يضمن الثاني بقسط جرحه ; لأن الأول إذا ترك الذبح مع إمكانه ، صار جرحه حاظرا أيضا ، بدليل ما لو انفرد وقتل الصيد ، فيكون الضمان منقسما عليهما ، وذكر القاضي ، في قسمته عليهما ، أنه يقسط أرش جرح الأول ، وعلى الثاني أرش جراحته ، ثم يقسم ما بقي من القيمة بينهما نصفين .

وفرض المسألة في صيد قيمته عشرة دراهم ، نقصه جرح الأول درهما ، ونقصه جرح الثاني درهما ، فعليه درهم ، ويقسم الباقي وهو ثمانية بينهما نصفين ، فيكون على الثاني خمسة دراهم ; درهم بالمباشرة ، وأربعة بالسراية ، وتسقط حصة الأول وهي خمسة ، وإن كان أرش جرح الثاني درهمين ، لزماه ، ويلزمه نصف السبعة الباقية ، ثلاثة ونصف ، فيلزمه خمسة ونصف ، وتسقط حصة الأول أربعة ونصف .

وإن كانت جنايتهما على حيوان مملوك لغيرهما ، قسم الضمان عليهما كذلك . ويتوجه على هذه الطريقة ، أنه سوى بين الجنايتين ، مع أن الثاني جنى عليه وقيمته دون قيمته يوم جنى عليه الأول ، وأنه لم يدخل أرش الجناية في بدل النفس ، كما يدخل في الجناية على الآدمي .

والجواب عن هذا ، أن كل واحد منهما انفرد بإتلاف ما قيمته درهم ، وتساويا في إتلاف الباقي بالسراية ، فتساويا في الضمان ، وإنما يدخل أرش الجناية في بدل النفس التي لا ينقص بدلها بإتلاف بعضها ، وهو الآدمي ، أما البهائم ، فإنه إذا جنى عليها جناية أرشها درهم ، نقص ذلك من قيمتها ، فإذا سرى إلى النفس ، أوجبنا ما بقي من قيمة النفس ، ولم يدخل الأرش فيها .

وذكر أصحاب الشافعي في قسمة الضمان طرقا ستة ; أصحه عندهم أن يقال : إن الأول أتلف نصف نفس قيمتها عشرة ، فيلزمه خمسة ، والثاني أتلف نصف نفس قيمتها تسعة ، فيلزمه أربعة ونصف ، فيكون المجموع تسعة ونصفا ، وهي أقل من قيمته ، لأنها عشرة ، فتقسم العشرة على تسعة ونصف ، فيسقط عن الأول ما يقابل أربعة ونصفا ، ويتوجه على هذا ، أن كل واحد منهما يلزمه أكثر من قيمة نصف الصيد حين جنى عليه .

وإن كانت الجراحات من ثلاثة ، فإن كان الأول هو أثبته ، فعلى طريقة القاضي ، على كل واحد أرش جرحه ، وتقسم السراية عليهم أثلاثا ، وإن كان المثبت له هو الثاني ، فجرحه الأول هدر لا عبرة بها ، والحكم في جراحة الآخرين كما ذكرنا ، وعلى الطريقة الأخرى ، الأول أتلف ثلث نفس قيمتها عشرة ، فيلزمه ثلاثة وثلث والثاني أتلف ثلثها ، وقيمتها تسعة ، فيلزمه ثلاثة ، والثالث أتلف ثلثها ، وقيمتها ثمانية ، فيلزمه درهمان وثلثان ، فمجموع ذلك تسعة ، تقسم عليها العشرة ، حصة كل واحد منهم ما يقابل ما أتلفه .

وإن أتلفوا شاة مملوكة لغيرهم ضمنوها كذلك . [ ص: 308 ] فصل : فإن رمياه معا فقتلاه ، كان حلالا ، وملكاه ; لأنهما اشتركا في سبب الملك والحل ، تساوى الجرحان أو تفاوتا ; لأن موته كان بهما ، فإن كان أحدهما موحيا والآخر غير موح ، ولا يثبته مثله ، فهو لصاحب الجرح الموحي ، لأنه الذي أثبته وقتله ، ولا شيء على الآخر ; لأن جرحه كان قبل ثبوت ملك الآخر فيه .

وإن أصابه أحدهما بعد صاحبه ، فوجدناه ميتا ، ولم نعلم هل صار بالأول ممتنعا أو لا ؟ حل ; لأن الأصل الامتناع ، ويكون بينهما ; لأن أيديهما عليه . فإن قال كل واحد منهما : أنا أثبته ، ثم قتلته أنت . حرم ; لأنهما اتفقا على تحريمه ، ويتحالفان لأخذ الضمان .

وإن اتفقا على الأول منهما ، فادعى الأول أنه أثبته ، ثم قتله ، وأنكر الثاني إثبات الأول له ، فالقول قول الثاني ; لأن الأصل عدم امتناعه ، ويحرم على الأول ; لإقراره بتحريمه ، والقول قول الثاني في عدم الامتناع مع يمينه . وإن علمت جراحة كل واحد منهما ، نظرنا فيها ، فإن علم أن جراحة الأول لا يبقى معها امتناع ، مثل أن كسر جناح الطائر ، أو ساق الظبي ، فالقول قول الأول بغير يمين ، وإن علم أنه لا يزيل الامتناع ، مثل خدش الجلد ، فالقول قول الثاني ، وإن احتمل الأمرين ، فالقول قول الثاني ; لأن الأصل معه ، وعليه اليمين ; لأن ما ادعاه الأول محتمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية