صفحة جزء
( 7752 ) مسألة ; قال : ( ولا يؤكل صيد المجوسي وذبيحته ، إلا ما كان من حوت فإنه لا ذكاة له ) أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي وذبيحته ، إلا ما لا ذكاة له ، كالسمك والجراد ، فإنهم أجمعوا على إباحته ، غير أن مالكا ، والليث ، وأبا ثور ، شذوا عن الجماعة ، وأفرطوا ; فأما مالك والليث فقالا : لا نرى أن يؤكل الجراد إذا صاده المجوسي . ورخصا في السمك وأبو ثور أباح صيده وذبيحته ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } . ولأنهم يقرون بالجزية ، فيباح صيدهم وذبائحهم ، كاليهود والنصارى . واحتج برواية عن سعيد بن المسيب . وهذا قول يخالف الإجماع ، فلا عبرة به . قال إبراهيم الحربي : خرق أبو ثور الإجماع .

قال أحمد : هاهنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأسا ، ما أعجب هذا يعرض بأبي ثور . وممن رويت عنه كراهية ذبائحهم ابن مسعود ، وابن عباس ، وعلي ، وجابر ، وأبو بردة ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة ، والحسن بن محمد ، وعطاء ، ومجاهد ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وسعيد بن جبير ، ومرة الهمداني ، والزهري ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

قال أحمد : ولا أعلم أحدا قال بخلافه ، إلا أن يكون صاحب بدعة . ولأن الله تعالى قال : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار ، ولأنهم لا كتاب لهم ، فلم تحل ذبائحهم كأهل الأوثان .

وقد روى الإمام أحمد ، بإسناده عن قيس بن سكن الأسدي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنكم نزلتم بفارس من النبط ، فإذا اشتريتم لحما ، فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوا ، وإن كانت ذبيحة مجوسي فلا تأكلوا } . ولأن كفرهم مع كونهم غير أهل كتاب ، يقتضي تحريم ذبائحهم ونسائهم ، بدليل ، سائر الكفار من غير أهل [ ص: 314 ] الكتاب ، وإنما أخذت منهم الجزية ; لأن شبهة الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم ، فلما غلبت في التحريم لدمائهم ، فيجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم الذبائح والنساء ، احتياطا للتحريم في الموضعين ، ولأنه إجماع ، فإنه قول من سمينا ، ولا مخالف لهم في عصرهم ، ولا في من بعدهم ، إلا رواية عن سعيد ، روي عنه خلافها .

ولا خلاف في إباحة ما صادوه من الحيتان . حكي عن الحسن البصري ، أنه قال : رأيت سبعين من الصحابة يأكلون صيد المجوسي من لا يختلج في صدورهم شيء من ذلك . رواه سعيد بن منصور . والجراد كالحيتان في ذلك ; لأنه لا ذكاة له ، ولأنه تباح ميتته ، فلم يحرم بصيد المجوسي ، كالحوت . ( 7753 ) فصل : وحكم سائر الكفار ، من عبدة الأوثان والزنادقة وغيرهم ، حكم المجوسي ، في تحريم ذبائحهم وصيدهم ، إلا الحيتان والجراد وسائر ما تباح ميتته ، فإن ما صادوه مباح ; لأنه لا يزيد بذلك عن موته بغير سبب .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان ; السمك ، والجراد } . وقال في البحر { هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته . } ( 7754 ) فصل : قال أحمد : وطعام المجوس ليس به بأس أن يؤكل ، وإذا أهدي إليه أن يقبل ، إنما تكره ذبائحهم ، أو شيء فيه دسم . يعني من اللحم . ولم ير بالسمن والخبز بأسا . وسئل عما يصنع المجوس لأمواتهم ، ويزمزمون عليهم أياما عشرا ، ثم يقتسمون ذلك في الجيران ؟ قال : لا بأس بذلك .

وعن الشعبي : كل مع المجوسي وإن زمزم . وروى أحمد ، أن سعيد بن جبير كان يأكل من كواميخ المجوس ، وأعجبه ذلك . وروى هشام ، عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بطعام المجوس في المصر ، ولا بشواريزهم ، ولا بكواميخهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية