صفحة جزء
( 7759 ) مسألة ; قال : ( وذكاة المقدور عليه من الصيد والأنعام في الحلق واللبة ) قد ذكرنا حكم المعجوز عنه ، من الصيد والأنعام ، فأما المقدور عليه منهما ، فلا يباح إلا بالذكاة ، بلا خلاف بين أهل العلم . وتفتقر الذكاة إلى خمسة أشياء ; ذابح ، وآلة ، ومحل ، وفعل ، وذكر .

أما الذابح فيعتبر له شرطان ; دينه ، [ ص: 316 ] وهو كونه مسلما أو كتابيا ، وعقله ، وهو أن يكون ذا عقل يعرف الذبح ليقصد ، فإن كان لا يعقل ، كالطفل الذي لا يميز ، والمجنون ، والسكران ، لم يحل ما ذبحه ; لأنه لا يصح منه القصد ، فأشبه ما لو ضرب إنسانا بالسيف فقطع عنق شاة . وأما الآلة ، فلها شرطان ; أحدهما ، أن تكون محددة ، تقطع أو تخرق بحدها ، لا بثقلها .

والثاني ، أن لا تكون سنا ولا ظفرا . فإذا اجتمع هذان الشرطان في شيء ، حل الذبح به ، سواء كان حديدا ، أو حجرا ، أو بلطة ، أو خشبا ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوا ، ما لم يكن سنا أو ظفرا } . متفق عليه .

وعن عدي بن حاتم قال : قلت : { يا رسول الله ، أرأيت إن أحدنا أصاب صيدا ، وليس معه سكين ، أيذبح بالمروة وشقة العصا ؟ فقال : امرر الدم بما شئت ، واذكر اسم الله } . والمروة : الصوان . وعن رجل من بني حارثة ، { أنه كان يرعى لقحة ، فأخذها الموت ، فلم يجد شيئا ينحرها به ، فأخذ وتدا ، فوجأها به في لبتها حتى أهريق دمها ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلها } . رواه أبو داود .

وبهذا قال الشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور . ونحوه قول مالك ، وعمرو بن دينار . وبه قال أبو حنيفة ، إلا في السن والظفر ، قال : إذا كانا متصلين ، لم يجز الذبح بهما ، وإن كانا منفصلين ، جاز . ولنا ، عموم حديث رافع ، ولأن ما لم تجز الذكاة به متصلا ، لم تجز منفصلا ، كغير المحدد . وأما العظم غير السن ، فمقتضى إطلاق قول أحمد ، والشافعي ، وأبي ثور ، إباحة الذبح به .

وهو قول مالك ، وعمرو بن دينار ، وأصحاب الرأي . وقال ابن جريج : يذكى بعظم الحمار ، ولا يذكى بعظم القرد ; لأنك تصلي على الحمار وتسقيه في جفنتك . وعن أحمد : لا يذكى بعظم ولا ظفر . وقال النخعي : لا يذكى بالعظم والقرن . ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوا ، ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة } . فعلله بكونه عظما ، فكل عظم فقد وجدت فيه العلة .

والأول أصح ، إن شاء الله تعالى ; لأن العظم دخل في عموم اللفظ المبيح ، ثم استثني السن والظفر خاصة ، فيبقى سائر العظام داخلا فيما يباح الذبح به ، والمنطوق مقدم على التعليل ، ولهذا علل الظفر بكونه من مدى الحبشة ، ولا يحرم الذبح بالسكين وإن كانت مدية لهم ، ولأن العظام يتناولها سائر الأحاديث العامة ، ويحصل بها المقصود ، فأشبهت سائر الآلات . وأما المحل فالحلق واللبة وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر . ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع ، وقد روي في حديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الذكاة في الحلق واللبة } .

قال أحمد : الذكاة في الحلق واللبة . واحتج بحديث عمر ، وهو ما روى سعيد ، والأثرم ، بإسنادهما عن الفرافصة ، قال : كنا عند عمر ، فنادى أن النحر في اللبة والحلق لمن قدر . وإنما نرى أن الذكاة اختصت بهذا المحل ; لأنه مجمع العروق ، فتنفسخ بالذبح فيه الدماء السيالة ، ويسرع زهوق النفس ، فيكون أطيب للحم ، وأخف على الحيوان .

قال أحمد : لو كان حديث أبي العشراء حديثا . يعني ما روى أبو العشراء عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه سئل : أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لو طعنت في فخذها ، لأجزأ عنك } . قال أحمد : أبو العشراء هذا ليس بمعروف . وأما الذكر فالتسمية ، وقد مر ذكرها . وأما الفعل فيعتبر قطع الحلقوم والمريء . وبهذا قال الشافعي . وعن أحمد ، رواية أخرى ، أنه يعتبر مع هذا قطع الودجين .

وبه قال مالك ، [ ص: 317 ] وأبو يوسف ; لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان } . وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج ، ثم تترك حتى تموت . رواه . أبو داود . وقال أبو حنيفة : يعتبر قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين . ولا خلاف في أن الأكمل قطع الأربعة ; الحلقوم ، والمريء والودجين ، فالحلقوم مجرى النفس ، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب ، والودجان ، وهما عرقان محيطان بالحلقوم ; لأنه أسرع لخروج روح الحيوان ، فيخف عليه ، ويخرج من الخلاف ، فيكون أولى .

والأول يجزئ ; لأنه قطع في محل الذبح ما لا تبقى الحياة مع قطعه ، فأشبه ما لو قطع الأربعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية