صفحة جزء
( 7779 ) فصل : والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وأكيلة السبع ، وما أصابها مرض فماتت به ، محرمة ، إلا أن تدرك ذكاتها ; لقوله تعالى { : إلا ما ذكيتم } . وفي حديث جارية كعب { ، أنها أصيبت شاة من غنمها ، فأدركتها ، فذبحتها بحجر ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كلوها } . فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح ، لم تبح بالذكاة ; لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوسي ، لم يبح ، وإن أدركها وفيها حياة مستقرة ، بحيث يمكنه ذبحها ، حلت ; لعموم الآية والخبر .

وسواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش ; لعموم الآية والخبر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل ، ولم يستفصل . وقد قال ابن عباس ، في ذئب عدا على شاة ، فعقرها ، فوقع قصبها بالأرض ، فأدركها ، فذبحها بحجر ، قال : يلقي ما أصاب الأرض ، ويأكل سائرها .

وقال أحمد في بهيمة عقرت بهيمة ، حتى تبين فيها آثار الموت ، إلا أن فيها الروح . يعني فذبحت . فقال : إذا مصعت بذنبها ، وطرفت بعينها ، وسال الدم ، فأرجو إن شاء الله تعالى أن لا يكون بأكلها بأس . وروي [ ص: 323 ] ذلك بإسناده عن عقيل بن عمير ، وطاوس . وقالا : تحركت . ولم يقولا : سال الدم . وهذا على مذهب أبي حنيفة .

وقال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد عن شاة مريضة ، خافوا عليها الموت ، فذبحوها ، فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها ، أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف ، فنهر الدم ؟ قال : فلا بأس به . وقال ابن أبي موسى : إذا انتهت إلى حد لا تعيش معه ، لم تبح بالذكاة .

ونص عليه أحمد ، فقال : إذا شق الذئب بطنها ، فخرج قصبها ، فذبحها ، لا تؤكل . وقال : إن كان يعلم أنها تموت من عقر السبع ، فلا تؤكل وإن ذكاها . وقد يخاف على الشاة الموت من العلة والشيء يصيبها ، فيبادرها فيذبحها ، فيأكلها . وليس هذا مثل هذه ، لا يدري ، لعلها تعيش ، والتي قد خرجت أمعاؤها ، يعلم أنها لا تعيش . وهذا قول أبي يوسف .

والأول أصح ; لأن عمر رضي الله عنه انتهى به الجرح إلى حد علم أنه لا يعيش معه ، فوصى ، فقبلت وصاياه ، ووجبت العبادة عليه ، وفيما ذكرنا من عموم الآية والخبر ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل في حديث جارية كعب ، ما يرد هذا ، وتحمل نصوص أحمد ، على شاة خرجت أمعاؤها ، وبانت منها ، فتلك لا تحل بالذكاة ; لأنها في حكم الميت ، ولا تبقى حركتها إلا كحركة المذبوح ، فأما ما خرجت أمعاؤها ، ولم تبن منها ، فهي في حكم الحياة تباح بالذبح ، ولهذا قال الخرقي ، في من شق بطن رجل ، فأخرج حشوته ، فقطعها فأبانها ، ثم ضرب عنقه آخر ، فالقاتل هو الأول . ولو شق بطن رجل ، وضرب عنقه آخر فالقاتل هو الثاني .

وقال بعض أصحابنا : إذا كانت تعيش معظم اليوم ، حلت بالذكاة . وهذا التحديد بعيد ، يخالف ظواهر النصوص ، ولا سبيل إلى معرفته . وقوله في حديث جارية كعب : فأدركتها فذكتها بحجر . يدل على أنها بادرتها بالذكاة حين خافت موتها في ساعتها . والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمنا يكون الموت بالذبح أسرع منه ، حلت بالذبح ، وأنها متى كانت مما لا يتيقن موتها ، كالمريضة ، أنها متى تحركت ، وسال دمها ، حلت والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية