صفحة جزء
( 7821 ) مسألة ; قال : ( ولا بأس بأكل الضب والضبع ) أما الضب : فإنه مباح في قول أكثر أهل العلم ; منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وأبو سعيد ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم قال أبو سعيد : كنا معشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأن يهدى إلى أحدنا ضب أحب إليه من دجاجة . وقال عمر : ما يسرني أن مكان كل ضب دجاجة سمينة ، ولوددت أن في كل جحر ضب ضبين . وبهذا قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر .

وقال أبو حنيفة : هو حرام . وبهذا قال الثوري ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل لحم الضب . وروي نحوه عن علي ; ولأنه ينهش ، فأشبه ابن عرس .

ولنا ما روى ابن عباس قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة ، فأتي بضب محنوذ ، فقيل : هو ضب يا رسول الله . فرفع يده ، فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال { : لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه } . قال خالد : فاجتررته فأكلته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر . متفق عليه .

قال ابن عباس : ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الضب تقذرا ، وأكل على مائدته ، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم { لم يحرم الضب ، ولكنه قذره } ، ولو كان عندي لأكلته . ولأن الأصل الحل ، ولم يوجد المحرم ، فبقي على الإباحة ، ولم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي ولا تحريم ; ولأن الإباحة قول من سمينا من الصحابة ، ولم يثبت عنهم خلافه ، فيكون إجماعا .

( 7822 ) فصل : فأما الضبع : فرويت الرخصة فيها عن سعد وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق . وقال عروة : مازالت العرب تأكل الضبع ولا ترى بأكلها بأسا . وقال أبو حنيفة والثوري ومالك : هو حرام .

وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب ; لأنها من السباع ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع . وهي من السباع ، فتدخل في عموم النهي . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضبع ، فقال { : ومن يأكل الضبع ؟ } . ولنا ما روى جابر ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع . قلت : صيد هي ؟ قال { : نعم } . احتج به أحمد .

وفي لفظ قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع . فقال { : هو صيد ، ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم } . رواه أبو داود . [ ص: 337 ] قال ابن عبد البر : هذا لا يعارض حديث النهي عن كل ذي ناب من السباع ; لأنه أقوى منه . قلنا : هذا تخصيص لا معارض ، ولا يعتبر في التخصيص كون المخصص في رتبة المخصص ; بدليل تخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد .

فأما الخبر الذي فيه : " ومن يأكل الضبع ؟ " فحديث طويل ، يرويه عبد الكريم بن أبي المخارق ، ينفرد به ، وهو متروك الحديث . ولأن الضبع قد قيل : إنها ليس لها ناب . وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفحة نعل الفرس . فعلى هذا لا تدخل في عموم النهي والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية