صفحة جزء
( 7833 ) مسألة ; قال : ( وإذا وقعت النجاسة في مائع ، كالدهن وما أشبهه ، نجس ، واستصبح به إن أحب ، ولم يحل أكله ولا ثمنه ) ظاهر هذا أن النجاسة إذا وقعت في مائع غير الماء ، نجسته وإن كثر . وهذا ظاهر المذهب . وعن أحمد ، رواية أخرى ، أنه لا ينجس إذا كثر .

قال حرب : سألت أحمد عن كلب ولغ في سمن أو زيت ؟ قال : إذا كان في آنية كبيرة ، مثل حب أو نحوه ، رجوت أن لا يكون به بأس ، يؤكل ، وإذا كان في آنية صغيرة ، فلا يعجبني أن يؤكل . وسئل عن كلب وقع في خل أكثر من قلتين ، فخرج منه وهو حي ؟ فقال : هذا أسهل من أنه لو مات . وعنه ، رواية ثالثة : ما أصله الماء كالخل التمري ، يدفع النجاسة عن نفسه إذا كثر ، وما ليس أصله الماء ، لا يدفع عن نفسه .

قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : فإن وقعت النجاسة في خل أو دبس ؟ فقال : أما الخل فأصله الماء ، يعود إلى أن يكون ماء إذا حمل عليه . وقال ابن مسعود ، في فأرة وقعت في سمن : إنما حرم من الميتة لحمها ودمها . ولنا ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن ؟ فقال : إن كان جامدا فخذوها [ ص: 340 ] وما حولها ، فألقوه ، وإن كان مائعا ، فلا تقربوه } .

ولأن غير الماء ليس بطهور ، فلا يدفع النجاسة عن نفسه ، وحكم الجامد قد ذكرناه فيما تقدم . واختلفت الرواية في الاستصباح بالزيت النجس ، فأكثر الروايات إباحته ; لأن ابن عمر أمر أن يستصبح به . ويجوز أن تطلى به سفينة . وهذا قول الشافعي .

وعن أحمد ، لا يجوز الاستصباح به . وهو قول ابن المنذر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن ، وتدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال { : لا ، هو حرام } . وهذا في معناه . ولنا أنه زيت أمكن الانتفاع به من غير ضرر ، فجاز ، كالطاهر .

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في العجين الذي عجن بماء من آبار ثمود ، أنه نهاهم عن أكله ، وأمرهم أن يعلفوه النواضح . وهذا الزيت ليس بميتة ، ولا هو من شحومها ، فيتناوله الخبر . إذا ثبت هذا ، فإنه يستصبح به على وجه لا يمسه ، ولا تتعدى نجاسته إليه ; إما أن يجعل الزيت في إبريق له بلبلة ، ويصب منه في المصباح ، ولا يمسه ، وإما أن يدع على رأس الجرة التي فيها الزيت سراجا مثقوبا ، أو قنديلا فيه ثقب ، ويطينه على رأس إناء الزيت ، أو يشمعه ، وكلما نقص زيت السراج صب فيه ماء ، بحيث يرتفع الزيت ، فيملأ السراج ، وما أشبه هذا ، ولم ير أبو عبد الله أن تدهن بها الجلود ، وقال : يجعل منه الأسقية والقرب .

ونقل عن عمر أنه تدهن به الجلود . وعجب أحمد من هذا ، وقال : إن في هذا لعجبا ، شيء يلبس يطيب بشيء فيه ميتة ، فعلى قول أحمد ، كل انتفاع يفضي إلى تنجيس إنسان لا يجوز ، وإن لم يفض إلى ذلك جاز . فأما أكله : فلا إشكال في تحريمه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لا تقربوه } .

ولأن النجس خبيث ، وقد حرم الله الخبائث . وأما بيعه ، فظاهر كلام أحمد - رحمه الله تحريمه ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : إذا حرم الله شيئا ، حرم ثمنه } . وقال أبو موسى : لتوه بالسويق وبيعوه ، ولا تبيعوه من مسلم ، وبينوه .

وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية ، أنه يباع لكافر بشرط أن يعلم بنجاسته ; لأن الكفار يعتقدون حله ، ويستبيحون أكله . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم { : لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم ، فجملوها ، وباعوها ، وأكلوا أثمانها ، إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه } . متفق عليه .

وكونهم يعتقدون حله ، لا يجوز لنا بيعه لهم كالخمر والخنزير .

التالي السابق


الخدمات العلمية