صفحة جزء
( 7994 ) مسألة ; قال : وإذا حلف ، فقال : إن شاء الله - تعالى . فإن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، ولا كفارة عليه ، إذا لم يكن بين الاستثناء واليمين كلام وجملة ذلك أن الحالف إذا قال : إن شاء الله . مع يمينه ، فهذا يسمى استثناء ، فإن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : من حلف ، فقال : إن شاء الله . فقد استثنى } . رواه أبو داود .

وأجمع العلماء على تسميته استثناء ، وأنه متى استثنى في يمينه لم يحنث فيها ، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم { من حلف فقال : إن شاء الله . لم يحنث } رواه الترمذي وروى أبو داود : { من حلف ، فاستثنى فإن شاء رجع ، وإن شاء ترك } ولأنه متى قال : لأفعلن إن شاء الله .

فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ، ومتى لم يفعل لم يشأ الله ذلك ، فإن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن . إذا ثبت هذا ، فإنه يشترط أن يكون الاستثناء متصلا باليمين ، بحيث لا يفصل بينهما كلام أجنبي ، ولا يسكت بينهما سكوتا يمكنه الكلام فيه ، فأما السكوت لانقطاع نفسه أو صوته ، أو عي ، أو عارض ، من عطسة ، أو شيء غيرها ، فلا يمنع صحة الاستثناء ، وثبوت حكمه ، وبهذا قال مالك ، والشافعي ، والثوري ، وأبو عبيد ، وإسحاق الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من حلف ، فاستثنى } وهذا يقتضي كونه عقيبه ، ولأن الاستثناء من تمام الكلام ، فاعتبر اتصاله به ، كالشرط وجوابه ، وخبر المبتدأ ، [ ص: 413 ] والاستثناء بإلا ، ولأن الحالف إذا سكت ثبت حكم يمينه ، وانعقدت موجبة لحكمها ، وبعد ثبوته لا يمكن دفعه ولا تغييره .

قال أحمد : حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة : { إذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، فكفر عن يمينك } . ولم يقل : فاستثن . ولو جاز الاستثناء في كل حال ، لم يحنث حانث به . وعن أحمد ، رواية أخرى ، أنه يجوز الاستثناء إذا لم يطل الفصل بينهما . قال ، في رواية المروذي : حديث ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { والله لأغزون قريشا . ثم سكت ، ثم قال : إن شاء الله } إنما هو استثناء بالقرب ، ولم يخلط كلامه بغيره .

ونقل عنه إسماعيل بن سعيد مثل هذا ، وزاد قال : ولا أقول فيه بقول هؤلاء . يعني من لم ير ذلك إلا متصلا . ويحتمل كلام الخرقي هذا ; لأنه قال : إذا لم يكن بين الاستثناء واليمين كلام . ولم يشترط اتصال الكلام وعدم السكوت . وهذا قول الأوزاعي ، قال في رجل حلف : لا أفعل كذا وكذا . ثم سكت ساعة لا يتكلم ، ولا يحدث نفسه بالاستثناء ، فقال له إنسان : قل : إن شاء الله . فقال : إن شاء الله . أيكفر ، يمينه ؟ قال : أراه قد استثنى . وقال قتادة : له أن يستثني قبل أن يقوم أو يتكلم .

ووجه ذلك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى بعد سكوته ، إذ قال : { والله لأغزون قريشا . ثم سكت ، ثم قال : إن شاء الله } واحتج به أحمد ، ورواه أبو داود ، وزاد : قال الوليد بن مسلم : ثم لم يغزهم . ويشترط ، على هذه الرواية ، أن لا يطيل الفصل بينهما ، ولا يتكلم بينهما بكلام أجنبي وحكى ابن أبي موسى ، عن بعض أصحابنا ، أنه قال : يصح الاستثناء ما دام في المجلس . وحكي ذلك عن الحسن وعطاء ، وعن عطاء أنه قال : قدر حلب الناقة الغروزة ، وعن ابن عباس ، أن له أن يستثني بعد حين وهو قول مجاهد . وهذا القول لا يصح ; لما ذكرناه ، وتقديره بمجلس أو غيره لا يصلح ; لأن التقديرات بابها التوقيف ، فلا يصار إليها بالتحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية