صفحة جزء
( 8014 ) فصل : والمستحيل نوعان ; أحدهما ، مستحيل عادة ، كصعود السماء ، والطيران ، وقطع المسافة البعيدة في مدة قليلة ، فإذا حلف على فعله ، انعقدت يمينه . ذكره القاضي ، وأبو الخطاب ; لأنه يتصور وجوده ، فإذا حلف عليه ، انعقدت يمينه ، ولزمته الكفارة في الحال ; لأنه مأيوس من البر فيها ، فوجبت الكفارة ، كما لو حلف ليطلقن امرأته فماتت . والثاني ، المستحيل عقلا ، كرد أمس وشرب الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه . فقال أبو الخطاب : لا تنعقد يمينه ، ولا تجب بها كفارة .

وهو مذهب مالك ; لأنها يمين قارنها ما يحلها ، فلم تنعقد ، كيمين الغموس ، أو يمين على غير متصور ، فأشبهت يمين الغموس ، وهذا لأن اليمين إنما تنعقد على متصور ، أو متوهم التصور ، وليس هاهنا واحد منهما .

وقال القاضي : تنعقد موجبة للكفارة في الحال . وهذا قول أبي يوسف ، والشافعي ; لأنه حلف على فعل نفسه في المستقبل ، ولم يفعل ، كما لو حلف ليطلقن امرأته ، فماتت قبل طلاقها ، وبالقياس على المستحيل عادة ، ولا فرق بين أن يعلم استحالته أو لا يعلم ، مثل أن يحلف ليشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه ، فالحكم واحد فيمن علم أنه لا ماء فيه ، ومن لا يعلم . وإن حلف ليقتلن فلانا ، وهو ميت ، فهو كالمستحيل عادة ; لأنه يتصور أن يحييه الله فيقتله ، وتنعقد يمينه على قول أصحابنا . وإن حلف لأقتلن الميت . يعني في حال موته ، فهو مستحيل عقلا ، فيكون فيه من الخلاف ما قد ذكرناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية