صفحة جزء
( 8051 ) مسألة ; قال : ( ولو كان الحانث عبدا ، لم يكفر بغير الصوم ) لا خلاف في أن العبد يجزئه الصيام في الكفارة ; لأن ذلك فرض المعسر من الأحرار ، وهو أحسن حالا من العبد فإنه يملك في الجملة ، ولأن العبد داخل في قوله تعالى { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } . وإن أذن السيد لعبده في التكفير بالمال ، لم يلزمه ; لأنه ليس بمالك لما أذن له فيه . وظاهر كلام الخرقي ، أنه لا يجزئه التكفير بغير الصيام .

وقد قال غيره من أصحابنا ، فيما إذا أذن له سيده في التكفير بالمال ، روايتان ; إحداهما ، يجوز تكفيره به . والأخرى ، لا يجوز إلا بالصيام . وقد ذكرنا علل ذلك في الظهار ، والاختلاف فيه . وذكر القاضي ، أن أصل هذا عنده الروايتان في ملك العبد بالتمليك ، إن قلنا : يملك بالتمليك . فملكه سيده ، وأذن له بالتكفير ، بالمال جاز ; لأنه مالك لما يكفر به وإن قلنا : لا يملك بالتمليك . ففرضه الصيام ; لأنه لا يملك شيئا يكفر به . وكذلك إن قلنا : يملك ولم يأذن له سيده بالتكفير في المال ، ففرضه الصيام ، وإن ملك ; لأنه محجور عليه ، ممنوع من التصرف فيما في يديه .

قال : وأصحابنا يجعلون في العبد روايتين مطلقا ، سواء قلنا : يملك . أو لا يملك . ثم على الرواية التي تجيز له التكفير بالمال ، له أن يطعم ، وهل له أن يعتق ؟ على روايتين ; إحداهما ، ليس له ذلك ; لأن العتق يقتضي الولاء والولاية والإرث ، وليس ذلك للعبد ، ولكن يكفر بالإطعام . وهذا رواية عن مالك . وبه قال الشافعي ، على القول الذي يجيز له التكفير بالمال .

والثانية له التكفير بالعتق ; لأن من صح تكفيره بالمال ، صح بالعتق ، كالحر ، ولأنه يملك العبد ، فصح تكفيره بإعتاقه ، كالحر . وقولهم : إن العتق يقتضي الولاء والولاية . لا نسلم ذلك في العتق في الكفارة ، على ما أسلفناه ، وإن سلمنا ، فتخلف بعض الأحكام لا يمنع ثبوت المقتضي ، فإن الحكم يتخلف لتخلف سببه لا لتخلف أحكامه ، كما أنه يثبت لوجود سببه ، ولأن تخلف بعض الأحكام مع وجود المقتضي ، إنما يكون لمانع منعها ، ويجوز أن يختص المنع بها دون غيرها . ولهذا السبب المقتضي لهذه الأحكام لا يمنع ثبوته تخلفها عنه في الرقيق ، على أن الولاء يثبت بإعتاق العبد ، لكن لا يرث به ، كما لو اختلف ديناهما . وهذا اختيار أبي بكر ، وفرع عليه إذا أذن له سيده فأعتق نفسه ، ففيه قولان .

[ ص: 17 ] أحدهما ، يجزئه ; لأنه رقبة تجزئ عن غيره فأجزأت عن نفسه كغيره . والآخر لا يجزئه ; لأن الإذن له في الإعتاق ينصرف إلى إعتاق غيره . وهذا التعليل يدل على أن سيده لو أذن له في إعتاق نفسه عن كفارته جاز ، فأما إن أطلق الإذن في الإعتاق ، فليس له أن يعتق إلا أقل رقبة تجزئ عن الواجب ، وليس له إعتاق نفسه إذا كانت أفضل مما يجزئ . وهذا من أبي بكر يقتضي أنه لا يعتبر في التكفير أن يملكه سيده ما يكفر به ; لأنه لا يملك نفسه ، بل متى أذن له في التكفير بالعتق أو الإطعام ، أجزأه ; لأنه لو اعتبر التمليك ، لما صح له أن يعتق نفسه لأنه لا يملكها ، ولأن التمليك لا يكون إلا في معين ، فلا يصح أن يأذن فيه مطلقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية