صفحة جزء
( 857 ) مسألة : قال : ( وسجود القرآن أربع عشرة سجدة ) المشهور في المذهب أن عزائم سجود القرآن أربع عشرة سجدة ، وهو قول أبي حنيفة في إحدى الروايتين والشافعي في أحد القولين . وممن روي عنه أن في المفصل ثلاث سجدات أبو بكر ، وعلي . وابن مسعود ، وعمار ، وأبو هريرة ، وابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز ، وجماعة من التابعين وبه قال الثوري ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وإسحاق ، ، وعن أحمد ، رحمه الله ، رواية أخرى ، أنها خمس عشرة سجدة منها سجدة ( ص ) . وروي ذلك عن عقبة بن عامر ، وهو قول إسحاق ، لما روى ابن ماجه ، وأبو داود عن عمرو بن العاص { ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة ، منها ثلاث في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتان } . وقال مالك ، في رواية والشافعي في قول : عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ، ليس منها شيء من المفصل . قال ابن عبد البر : هذا قول ابن عمر ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وابن جبير ، والحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، ومالك ، وطائفة من أهل المدينة ; لأن

أبا الدرداء قال : { سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ليس فيها من المفصل شيء } . رواه ابن ماجه . وروى ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة . } رواه أبو داود .

[ ص: 358 ] ولنا ، ما روى أبو رافع ، قال { : صليت خلف أبي هريرة العتمة ، فقرأ { إذا السماء انشقت } . فسجد ، فقلت : ما هذه السجدة ؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه } .

رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والأثرم . وروى مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه عن أبي هريرة ، قال { : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت و اقرأ باسم ربك } وروى عبد الله بن مسعود ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم ، فسجد فيها ، وما بقي أحد من القوم إلا سجد } . رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود .

وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة سنة سبع ، وهو أولى من حديث ابن عباس ، لأنه إثبات . ثم إن ترك السجود يدل على أنه ليس بواجب ، والسجود يدل على أنه مسنون ، ولا تعارض بينهما ، وحديث أبي الدرداء قال أبو داود إسناده واه . ثم لا دلالة فيه ، إذ يجوز أن يكون سجود غير المفصل إحدى عشرة فيكون مع سجدات المفصل أربع عشرة .

( 858 ) فصل : فعلى الرواية الأولى ليست " ص " من عزائم السجود ، وهو قول علقمة ، والشافعي ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وابن مسعود .

والرواية الثانية : هي من العزائم . وهو قول الحسن ، ومالك والأوزاعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، لحديث عمرو بن العاص . وروي عن عمر وابنه وعثمان ، أنهم كانوا يسجدون فيها . وروى أبو داود ، بإسناده عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها . وحديث أبي الدرداء يدل على أنه سجد فيها . ولنا ، ما روى أبو داود ، عن أبي سعيد . قال { : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد ، وسجد الناس معه ، فلما كان يوم آخر قرأها ، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي توبة نبي ، ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل ، فسجد ، وسجدوا } .

وروى أبو داود عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص ، وقال : سجدها داود توبة ، ونحن نسجدها شكرا } . أخرجه النسائي . وروى أبو داود عن ابن عباس ، قال : ليس " ص " من عزائم السجود . والحديث الذي ذكرناه للرواية الأخرى ، يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها ، فيكون سجودا للشكر ، كما بينه في حديث ابن عباس .

( 859 ) مسألة : قال : ( في الحج منها سجدتان ) وبهذا قال الشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر . وممن كان يسجد في الحج سجدتين عمر ، وعلي ، وعبد الله بن عمر ، وأبو الدرداء ، وأبو موسى ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو العالية ، وزر . وقال ابن عباس : فضلت سورة الحج بسجدتين .

وقال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وجابر بن زيد ، والنخعي ، ومالك ، وأبو حنيفة : ليست الأخيرة سجدة ; لأنه جمع فيها بين الركوع والسجود . فقال { : يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } فلم تكن سجدة ، كقوله { : يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } . ولنا حديث عمرو بن العاص ، الذي ذكرناه . وروى أبو داود ، والأثرم عن عقبة بن عامر ، قال { : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : في سورة الحج سجدتان ؟ قال : نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما . } وأيضا فإنه قول من سمينا [ ص: 359 ] من الصحابة لم نعرف لهم مخالفا في عصرهم ، فيكون إجماعا

. وقال أبو إسحاق : أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين . وقال ابن عمر : لو كنت تاركا إحداهما لتركت الأولى . وذلك لأن الأولى إخبار ، والثانية أمر ، واتباع الأمر أولى . وذكر الركوع لا يقتضي ترك السجود ، كما ذكر البكاء في قوله { : خروا سجدا وبكيا } ، وقوله : { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } .

التالي السابق


الخدمات العلمية