صفحة جزء
( 8130 ) مسألة ; قال : ( ولو حلف أن لا يأكل هذا الرطب ، فأكله تمرا ، حنث . وكذلك كل ما تولد من ذلك الرطب ) وجملة ذلك أنه إذا حلف على شيء عينه بالإشارة ، مثل أن حلف لا يأكل هذا الرطب ، لم يخل من حالين ; أحدهما ، أن يأكله رطبا ، فيحنث ، بلا خلاف بين الجميع ; لكونه فعل ما حلف على تركه صريحا . الثاني : أن تتغير صفته ، وذلك يقسم خمسة أقسام ; أحدها ، أن تستحيل أجزاؤه . ويتغير اسمه ، مثل أن يحلف : لا أكلت هذه البيضة . فصارت فرخا . أو لا أكلت هذه الحنطة . فصارت زرعا فأكله ، فهذا لا يحنث ; لأنه زال واستحالت أجزاؤه .

وعلى قياسه ، إذا حلف : لا شربت هذا الخمر . فصارت خلا ، فشربه . القسم الثاني ، تغيرت صفته ، وزال اسمه ، مع بقاء أجزائه ، مثل أن يحلف : لا آكل هذا الرطب . فصار تمرا ، ولا أكلم هذا الصبي . فصار شيخا ، ولا آكل هذا الحمل . فصار كبشا . أو لا آكل هذا الرطب . فصار دبسا ، أو خلا ، أو ناطفا ، أو غيره من الحلواء . ولا يأكل هذه الحنطة ، فصارت دقيقا ، أو سويقا ، أو خبزا ، أو هريسة . أو : لا أكلت هذا العجين ، أو هذا الدقيق . فصار خبزا . أو : لا أكلت هذا اللبن . فصار سمنا ، أو جبنا ، أو كشكا . أو : لا دخلت هذه الدار . فصارت مسجدا ، أو حماما ، أو فضاء ، ثم دخلها أو أكله ، حنث في جميع ذلك .

وبه قال أبو حنيفة ، فيما إذا حلف : لا كلمت هذا الصبي . فصار شيخا . ولا أكلت هذا الحمل . فصار كبشا . ولا : دخلت هذه الدار . فدخلها بعد تغيرها . وقال به أبو يوسف ، في الحنطة إذا صارت دقيقا . وللشافعي في الرطب إذا صار تمرا ، والصبي إذا صار شيخا ، والحمل إذا صار كبشا ، وجهان . وقالوا في سائر الصور : لا يحنث ; لأن اسم المحلوف عليه وصورته زالت ، فلم يحنث ، كما لو حلف لا يأكل هذه البيضة ، فصارت فرخا .

ولنا ، أن عين المحلوف عليه باقية ، فحنث بها ، كما لو حلف : لا أكلت هذا الحمل . فأكل لحمه . أو : لا لبست هذا [ ص: 49 ] الغزل . فصار ثوبا ، فلبسه . أو : لا لبست هذا الرداء . فلبسه بعد أن صار قميصا أو سراويل .

وفارق البيضة إذا صارت فرخا ; لأن أجزاءها استحالت ، فصارت عينا أخرى ، ولم تبق عينها ، ولأنه لا اعتبار بالاسم مع التعيين ، كما لو حلف : لا كلمت زيدا هذا . فغير اسمه . أو : لا كلمت صاحب هذا الطيلسان . فكلمه بعد بيعه . ولأنه متى اجتمع التعيين مع غيره مما يعرف به ، كان الحكم للتعيين ، كما لو اجتمع مع الإضافة .

القسم الثالث ، تبدلت الإضافة ، مثل أن حلف : لا كلمت زوجة زيد هذه ، ولا عبده هذا ، ولا دخلت داره هذه . فطلق الزوجة ، وباع العبد والدار ، فكلمهما ، ودخل الدار ، حنث . وبه قال مالك ، والشافعي ، ومحمد ، وزفر . وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف : لا يحنث ، إلا في الزوجة ; لأن الدار لا توالى ولا تعادى ، وإنما الامتناع لأجل مالكها ، فتعلقت اليمين بها ، مع بقاء ملكه عليها ، وكذلك العبد في الغالب .

ولنا ، أنه إذا اجتمع في اليمين التعيين والإضافة ، كان الحكم للتعيين ، كما لو قال : والله لا كلمت زوجة فلان ، ولا صديقه . وما ذكروه لا يصح في العبد ; لأنه يوالي ويعادي ، ويلزمه في الدار إذا أطلق ، ولم يذكر مالكها ، فإنه يحنث بدخولها بعد بيع مالكها إياها . القسم الرابع ، إذا تغيرت صفته بما يزيل اسمه ثم عادت ، كمقص انكسر ثم أعيد ، وقلم انكسر ثم بري ، وسفينة تفصمت ثم أعيدت ، ودار هدمت ثم بنيت ، وأسطوانة نقضت ثم أعيدت ، فإنه يحنث ; لأن أجزاءها واسمها موجود ، فأشبه ما لو لم تتغير .

القسم الخامس ، إذا تغيرت صفته بما لم يزل اسمه ، كلحم شوي أو طبخ ، وعبد بيع ، ورجل مرض ، فإنه يحنث به ، بلا خلاف نعلمه ; لأن الاسم الذي علق عليه اليمين لم يزل ، ولا زال التغير ، فحنث به ، كما لو لم يتغير حاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية