صفحة جزء
( 8144 ) مسألة ; قال : ( ولو حلف لا يأكل لحما ، فأكل الشحم ، أو المخ ، أو الدماغ ، لم يحنث ، إلا أن يكون أراد اجتناب الدسم ، فيحنث بأكل الشحم ) وجملته أن الحالف على ترك أكل اللحم ، لا يحنث بأكل ما ليس بلحم ، من الشحم والمخ ، وهو الذي في العظام ، والدماغ ، وهو الذي في الرأس في قحفه ، ولا الكبد والطحال ، والرئة ، والقلب ، والكرش ، والمصران ، والقانصة ، ونحوها . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة ، ومالك : يحنث بأكل هذا كله ; لأنه لحم حقيقة ، ويتخذ منه ما يتخذ من اللحم ، فأشبه لحم الفخذ .

ولنا ، أنه لا يسمى لحما ، وينفرد عنه باسمه وصفته ، ولو أمر وكيله بشراء لحم ، فاشترى هذا ، لم يكن ممتثلا لأمره ، ولا ينفذ الشراء للموكل ، فلم يحنث بأكله ، كالبقل ، وقد دل على أن الكبد والطحال ليستا بلحم ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان ودمان ; أما الدمان فالكبد والطحال } . ولا نسلم أنه لحم حقيقة ، بل هو من الحيوان مع اللحم ، كالعظم والدم . فأما إن قصد اجتناب الدسم ، حنث بأكل الشحم ; لأن له دسما ، وكذلك المخ ، وكل ما فيه دسم .

( 8145 ) فصل : ولا يحنث بأكل الألية . وقال بعض أصحاب الشافعي : يحنث ; لأنها نابتة في اللحم ، وتشبهه في الصلابة . وليس بصحيح ; لأنها لا تسمى لحما ، ولا يقصد بها ما يقصد به ، وتخالفه في اللون والذوب والطعم ، فلم يحنث بأكلها ، كشحم البطن . فأما الشحم الذي على الظهر والجنب وفي تضاعيف اللحم ، فلا يحنث بأكله ، في ظاهر كلام الخرقي . فإنه قال : اللحم لا يخلو من شحم . يشير إلى ما يخالط اللحم مما تذيبه النار ، وهذا كذلك . [ ص: 55 ] وهذا قول طلحة العاقولي . وممن قال : هذا شحم . أبو يوسف ، ومحمد .

وقال القاضي : هو لحم ، يحنث بأكله ، ولا يحنث بأكله من حلف لا يأكل شحما . وهذا مذهب الشافعي ; لأنه لا يسمى شحما ، ولا بائعه شحاما ، ولا يفرد عن اللحم مع الشحم ، ويسمى بائعه لحاما ، ويسمى لحما سمينا ، ولو وكل في شراء لحم ، فاشتراه الوكيل ، لزمه ، ولو اشتراه الوكيل في شراء الشحم ، لم يلزمه .

ولنا ، قوله تعالى : { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم } . ولأنه يشبه الشحم في صفته وذوبه ، ويسمى دهنا ، فكان شحما كالذي في البطن ، ولا نسلم أنه لا يسمى شحما ، ولا أنه يسمى بمفرده لحما ، وإنما يسمى اللحم الذي هو عليه لحما سمينا ، ولا يسمى بائعه شحاما ; لأنه لا يباع بمفرده ، وإنما يباع تبعا للحم ، وهو تابع له في الوجود والبيع ، فلذلك سمي بائعه لحاما ، ولم يسم شحاما ، لأنه سمي بما هو الأصل فيه ، دون التبع .

( 8146 ) فصل : وإن أكل المرق ، لم يحنث . ذكره أبو الخطاب . قال : وقد روي عن أحمد ، أنه قال : لا يعجبني الأكل من المرق . وهذا على طريق الورع . وقال ابن أبي موسى ، والقاضي : يحنث ; لأن المرق لا يخلو من أجزاء اللحم الذائبة ، وقد قيل : المرق أحد اللحمين .

ولنا ، أنه ليس بلحم حقيقة ، ولا يطلق عليه اسمه ، فلم يحنث به ، كالكبد ، ولا نسلم أن أجزاء اللحم فيه ، وإنما فيه ماء اللحم ودهنه ، وليس ذلك بلحم . وأما المثل ، فإنما أريد به المجاز ، كما في نظائره ، من قولهم : الدعاء أحد الصدقتين . وقلة العيال أحد اليسارين . وهذا دليل على أنها ليست بلحم ; لأنه جعلها غير اللحم الحقيقي .

( 8147 ) فصل : وإن أكل رأسا ، أو كارعا ، فقد روي عن أحمد ، ما يدل على أنه لا يحنث ; لأنه روي عنه ما يدل على أن من حلف لا يشتري لحما ، فاشترى رأسا أو كارعا ، لا يحنث ، إلا أن ينوي أن لا يشتري من الشاة شيئا . قال القاضي : لأن إطلاق اسم اللحم لا يتناول الرءوس والكوارع ، ولو وكله في شراء لحم ، فاشترى رأسا أو كارعا ، لم يلزمه ، ويسمى بائع ذلك رآسا ، ولا يسمى لحاما .

وقال أبو الخطاب : يحنث بأكل لحم الخد ; لأنه لحم حقيقة . وحكي عن أبي موسى ، أنه لا يحنث ، إلا أن ينويه باليمين . وإن أكل اللسان ، احتمل وجهين ; أحدهما ، يحنث ; لأنه لحم حقيقة . والثاني : لا يحنث ; لأنه ينفرد عن اللحم باسمه وصفته ، فأشبه القلب .

التالي السابق


الخدمات العلمية