صفحة جزء
( 8150 ) مسألة ; قال : ( وإذا حلف ألا يأكل لحما ، ولم يرد لحما بعينه ، فأكل من لحم الأنعام ، أو الطيور ، أو السمك ، حنث ) أما إذا أكل من لحم الأنعام أو الصيد أو الطائر ، فإنه يحنث ، في قول عامة علماء الأمصار .

وأما السمك ، فظاهر المذهب أنه يحنث بأكله . وبهذا قال قتادة ، والثوري ، ومالك ، وأبو يوسف . وقال ابن أبي موسى ، في " الإرشاد " : لا يحنث به ، إلا أن ينويه . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي ثور ; لأنه لا ينصرف إليه إطلاق اسم اللحم ، ولو وكل وكيلا في شراء اللحم ، فاشترى له سمكا ، لم يلزمه ، ويصح أن ينفي عنه الاسم ، فيقول : ما أكلت لحما ، وإنما أكلت سمكا .

فلم يتعلق به الحنث عند الإطلاق ، كما لو حلف : لا قعدت تحت سقف . فإنه لا يحنث بالقعود تحت السماء ، وقد سماها الله تعالى { سقفا محفوظا } لأنه مجاز ، كذا هاهنا . ولنا ، قول الله تعالى : { وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا } . وقال : { ومن كل تأكلون لحما طريا } . ولأنه من جسم حيوان ، ويسمى لحما ، فحنث بأكله ، كلحم الطائر ، وما ذكروه يبطل بلحم الطائر .

وأما السماء ، فإن الحالف ألا يقعد تحت سقف ، لا يمكنه التحرز من القعود تحتها ، فيعلم أنه لم يردها بيمينه ، ولأن التسمية ثم مجاز ، وها هنا هي حقيقة ; لكونه من جسم حيوان يصلح للأكل ، فكان الاسم فيه حقيقة ، كلحم الطائر ، حيث قال الله تعالى : { ولحم طير مما يشتهون } .

( 8151 ) فصل : ويحنث بأكل اللحم المحرم ، كلحم الميتة والخنزير والمغصوب . وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي ، في أحد الوجهين : لا يحنث بأكل المحرم بأصله ; لأن يمينه تنصرف إلى ما يحل لا إلى ما يحرم ، فلم يحنث بما لا يحل ، كما لو حلف لا يبيع ، فباع بيعا فاسدا ، لم يحنث .

[ ص: 57 ] ولنا ، أن هذا لحم حقيقة وعرفا ، فيحنث بأكله ، كالمغصوب ، وقد سماه الله - تعالى - لحما ، فقال : { ولحم الخنزير } . وما ذكروه يبطل بما إذا حلف لا يلبس ثوبا ، فلبس ثوب حرير . وأما البيع الفاسد ، فلا يحنث به ; لأنه ليس ببيع في الحقيقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية