صفحة جزء
[ ص: 69 ] القسم الرابع ، نذر المعصية ، فلا يحل الوفاء به إجماعا ; ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من نذر أن يعصي الله فلا يعصه . } ولأن معصية الله تعالى لا تحل في حال ، ويجب على الناذر كفارة يمين . روي نحو هذا عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، وعمران بن حصين ، وسمرة بن جندب .

وبه قال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه . وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة عليه ، فإنه قال ، فيمن نذر ليهدمن دار غيره لبنة لبنة : لا كفارة عليه . وهذا في معناه . وروي هذا عن مسروق ، والشعبي . وهو مذهب مالك ، والشافعي ; لقول رسول الله : صلى الله عليه وسلم { لا نذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك العبد . } رواه مسلم .

وقال { ليس على الرجل نذر فيما لا يملك . } متفق عليه . وقال : { لا نذر إلا ما ابتغي به وجه الله } . رواه أبو داود . وقال : { من نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . ولم يأمر بكفارة . { ولما نذرت المرأة التي كانت مع الكفار ، فنجت على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنحرها ، قالت : يا رسول الله ، إني نذرت إن أنجاني الله عليها أن أنحرها ؟ قال : بئس ما جزيتها ، لا نذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك العبد } رواه مسلم .

ولم يأمرها بكفارة { . وقال لأبي إسرائيل حين نذر أن يقوم في الشمس ، ولا يقعد ، ولا يستظل ، ولا يتكلم : مروه فليتكلم ، وليجلس ، وليستظل ، وليتم صومه . } . رواه البخاري . ولم يأمره بكفارة .

لأن النذر التزام الطاعة ، وهذا التزام معصية ، ولأنه نذر غير منعقد ، فلم يوجب شيئا ، كاليمين غير المنعقدة . ووجه الأول ، ما روت عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة يمين . } رواه الإمام أحمد ، في " مسنده " ، وأبو داود ، في " سننه " . وقال الترمذي : هو حديث غريب . وعن أبي هريرة ، وعمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

روى الجوزجاني ، بإسناده عن عمران بن حصين ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : النذر نذران ; فما كان من نذر في طاعة الله ، فذلك لله ، وفيه الوفاء ، وما كان من نذر في معصية الله ، فلا وفاء فيه ، ويكفره ما يكفر اليمين . } وهذا نص . ولأن النذر يمين ، بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { النذر حلفة } { . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأخت عقبة ، لما نذرت المشي إلى بيت الله الحرام ، فلم تطقه : تكفر يمينها . } صحيح أخرجه أبو داود . وفي رواية : " ولتصم ثلاثة أيام " . قال أحمد : إليه أذهب . وقال ابن عباس في التي نذرت ذبح ابنها : كفري يمينك .

ولو حلف على فعل معصية ، لزمته الكفارة ، فكذلك إذا نذرها . فأما أحاديثهم ، فمعناها لا وفاء بالنذر في معصية الله . وهذا لا خلاف فيه ، وقد جاء مصرحا به هكذا في رواية مسلم . ويدل على هذا أيضا أن في سياق الحديث { : ولا يمين في قطيعة رحم } . يعني لا يبر فيها .

ولو لم يبين الكفارة في أحاديثهم ، فقد بينها في أحاديثنا فإن فعل ما نذره من المعصية ، فلا كفارة عليه . كما لو حلف ليفعلن معصية ، ففعلها . ويحتمل أن تلزمه الكفارة حتما ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم عين فيه الكفارة ، ونهى عن فعل المعصية .

التالي السابق


الخدمات العلمية