صفحة جزء
القسم الخامس ، المباح ; كلبس الثوب ، وركوب الدابة ، وطلاق المرأة على وجه مباح ، فهذا يتخير الناذر فيه ، بين فعله فيبر بذلك ; لما روي { أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك . } رواه أبو داود . ولأنه لو حلف على فعل مباح بر بفعله ، فكذلك إذا نذره ; لأن النذر كاليمين . وإن [ ص: 70 ] شاء تركه وعليه كفارة يمين .

ويتخرج أن لا كفارة فيه ; فإن أصحابنا ، قالوا فيمن نذر أن يعتكف أو يصلي في مسجد معين : كان له أن يصلي ويعتكف في غيره ، ولا كفارة ، ومن نذر أن يتصدق بماله كله ، أجزأته الصدقة بثلثه بلا كفارة . وهذا مثله . وقال مالك والشافعي : لا ينعقد نذره ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله . }

وقد روى ابن عباس ، قال { : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذ هو برجل قائم ، فسأل عنه ، فقالوا : أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم في الشمس ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، ويصوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مروه فليستظل وليجلس ، وليتكلم ، وليتم صومه } رواه البخاري .

وعن أنس قال : { نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله الحرام ، فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : إن الله لغني عن مشيها ، مروها فلتركب } . قال الترمذي : هذا حديث صحيح . ولم يأمر بكفارة . وروي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يهادى بين اثنين ، فسأل عنه ، فقالوا : نذر أن يحج ماشيا . فقال : إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه ، مروه فليركب . } متفق عليه . ولم يأمره بكفارة ، ولأنه نذر غير موجب لفعل ما نذره ، فلم يوجب كفارة ، كنذر المستحيل . ولنا ، ما تقدم في القسم الذي قبله .

فأما حديث التي نذرت المشي ، فقد أمر فيه بالكفارة في حديث آخر ، وروى عقبة بن عامر ، أن { أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : مروها فلتركب ، ولتكفر عن يمينها . } صحيح ، أخرجه أبو داود . وهذه زيادة يجب الأخذ بها ، ويجوز أن يكون الراوي للحديث روى البعض وترك البعض أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذكر الكفارة في بعض الحديث ، إحالة على ما علم من حديثه في موضع آخر .

ومن هذا القسم إذا نذر فعل مكروه ، كطلاق امرأته ، فإنه مكروه ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أبغض الحلال إلى الله الطلاق } . فالمستحب أن لا يفي ، ويكفر ، فإن وفى بنذره ، فلا كفارة عليه ، والخلاف فيه كالذي قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية