صفحة جزء
( 8211 ) مسألة ; قال : ( ومن نذر أن يصوم ، فمات قبل أن يأتي به ، صام عنه ورثته من أقاربه ، وكذلك كل ما كان من نذر طاعة ) يعني من نذر حجا ، أو صياما ، أو صدقة ، أو عتقا ، أو اعتكافا ، أو صلاة ، أو غيره من الطاعات ، ومات قبل فعله ، فعله الولي عنه .

وعن أحمد في الصلاة : لا يصلى عن الميت ; لأنها لا بدل لها بحال ، وأما سائر الأعمال فيجوز أن ينوب الولي عنه فيها ، وليس بواجب عليه ، ولكن يستحب له ذلك على سبيل الصلة له والمعروف . وأفتى بذلك ابن عباس ، في امرأة نذرت أن تمشي إلى قباء ، فماتت ولم تقضه ، أن تمشي ابنتها عنها .

وروى سعيد ، عن سفيان ، عن عبد الكريم بن أبي أمية ، أنه سأل ابن عباس عن نذر كان على أمه من اعتكاف . قال : صم عنها ، واعتكف عنها .

وقال : حدثنا أبو الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر ، عن عامر بن شعيب ، أن عائشة اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن بعد ما مات . وقال مالك : لا يمشي أحد عن أحد ، ولا يصلي ، ولا يصوم عنه ، وكذلك سائر أعمال البدن ، قياسا على الصلاة . وقال الشافعي : يقضي عنه الحج ، ولا يقضي الصلاة ، قولا واحدا ، ولا يقضي الصوم ، في أحد القولين ، ويطعم عنه لكل يوم مسكين ; لأن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من مات وعليه صيام شهر ، فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين } أخرجه ابن ماجه .

وقال أهل الظاهر : يجب القضاء على وليه ، بظاهر الأخبار الواردة فيه . وجمهور أهل العلم على أن ذلك ليس بواجب على الولي ، إلا أن يكون حقا في المال ، ويكون للميت تركة ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا محمول على الندب [ ص: 87 ] والاستحباب ، بدليل قرائن في الخبر ; منها أن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ، وقضاء الدين على الميت لا يجب على الوارث ما لم يخلف تركة يقضى بها ، ومنها أن السائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم : هل يفعل ذلك أم لا ؟ .

وجوابه يختلف باختلاف مقتضى سؤاله ، فإن كان مقتضاه السؤال عن الإباحة ، فالأمر في جوابه يقتضي الإباحة ، وإن كان السؤال عن الإجزاء ، فأمره يقتضي الإجزاء ، كقولهم { : أنصلي في مرابض الغنم ؟ قال : صلوا في مرابض الغنم } . وإن كان سؤالهم عن الوجوب فأمره يقتضي الوجوب ، كقولهم : { أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : توضئوا من لحوم الإبل } . وسؤال السائل في مسألتنا كان عن الإجزاء ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل يقتضيه لا غير .

ولنا ، على جواز الصيام عن الميت ، ما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من مات ، وعليه صيام صام عنه وليه } . وعن ابن عباس ، قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضيه ؟ قال : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى } .

وفي رواية قال : { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم ، أفأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته ، كان يؤدى ذلك عنها ؟ قالت : نعم . قال : فصومي عن أمك } . متفق عليهن .

وعن ابن عباس ، أن { سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه ، فتوفيت قبل أن تقضيه ، فأفتاه أن يقضيه ، فكانت سنة بعد } . وعنه { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أختي نذرت أن تحج ، وإنها ماتت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو كان عليها دين ، أكنت قاضيه ؟ . قال : نعم . قال : فاقض الله ، فهو أحق بالقضاء } . رواهما البخاري .

وهذا صريح في الصوم والحج ، ومطلق في النذر ، وما عدا المذكور في الحديث يقاس ، عليه وحديث ابن عمر في الصوم الواجب بأصل الشرع ، ويتعين حمله عليه جمعا بين الحديثين ، ولو قدر التعارض ، لكانت أحاديثنا أصح ، وأكثر ، وأولى بالتقديم . إذا ثبت هذا ، فإن الأولى أن يقضي النذر عنه وارثه ، فإن قضاه غيره ، أجزأه عنه ، كما لو قضى عنه دينه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ، وقاسه عليه ، ولأن ما يقضيه الوارث إنما هو تبرع منه ، وغيره مثله في التبرع . وإن كان النذر في مال ، تعلق بتركته .

التالي السابق


الخدمات العلمية