صفحة جزء
( 8312 ) فصل : وإن كانت بينهما أرض واحد يمكن قسمتها ، وتتحقق فيها الشروط التي ذكرناها ، أجبر الممتنع على قسمها ، سواء كانت فارغة أو ذات شجر وبناء . فإن كان فيها نخل ، وكرم ، وشجر مختلف ، وبناء ، فطلب أحدهما قسمة كل عين على حدتها ، وطلب الآخر قسمة الجميع بالتعديل بالقيمة ، فقال أبو الخطاب : تقسم كل عين على حدتها ، وكذلك كل مقسوم ، إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه ، كان أولى .

ونحو هذا قال أصحاب الشافعي ; فإنهم قالوا : إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه ، بأن يكون الجيد في مقدمها والرديء في مؤخرها ، فإذا قسمناها صار لكل واحد من الجيد والرديء مثل ما للآخر ، وجبت القسمة ، وأجبر الممتنع عليها ، وإن لم تمكن القسمة هكذا ، بأن تكون العمارة أو الشجر والجيد لا تمكن قسمته وحده ، وأمكن التعديل بالقيمة عدلت بالقيمة ، وأجبر الممتنع من القسمة عليها . وقال الشافعي ، في أحد القولين : لا يجبر الممتنع من القسمة عليها .

وقالوا : إذا كانت الأرض ثلاثين جريبا ، قيمة عشرة [ ص: 146 ] أجربة منها كقيمة عشرين ، لم يجبر الممتنع من القسمة عليها ; لتعذر التساوي في الذرع ، ولأنه لو كان حقلان متجاوران لم يجبر الممتنع من القسمة ، إذا لم تمكن إلا بأن يجعل لكل واحد منهما سهما ، كذا هاهنا . ولنا ، أنه مكان واحد ، أمكنت قسمته ، وتعديله ، من غير رد عوض ولا ضرر ، فوجبت قسمته ، كالدور . ولأن ما ذكروه يفضي إلى منع وجوب القسمة في البساتين كلها والدور ; فإنه لا يمكن تساوي الشجر وبناء الدور ومساكنها إلا بالقيمة ، ولأنه مكان لو بيع بعضه وجبت فيه الشفعة لشريك البائع ، فوجبت قسمته ، كما لو أمكنت التسوية بالزرع .

وأما إذا كان بستانان ، لكل واحد منهما طريق ، أو حقلان ، أو داران ، أو دكانان متجاوران أو متباعدان ، فطلب أحد الشريكين قسمته ، بجعل كل واحد بينهما ، لم يجبر الآخر على هذا ، سواء كانا متساويين أو مختلفين . وهذا ظاهر مذهب الشافعي ; لأنهما شيئان متميزان ، لو بيع أحدهما ، لم تجب الشفعة فيه لمالك الآخر ، بخلاف البستان الواحد ، والأرض الواحدة وإن عظمت ، فإنه إذا بيع بعضها ، وجبت الشفعة لمالك البعض الباقي ، والشفعة كالقسمة ; لأن كل واحد منهما يراد لإزالة ضرر الشركة ، ونقصان التصرف ، فما لا تجب قسمته ، لا تجب الشفعة فيه ، فكذلك ما لا شفعة فيه ، لا تجب قسمته ، وعكس هذا ما تجب قسمته ، تجب فيه الشفعة ، وما تجب الشفعة فيه ، تجب قسمته . ولأنه لو بدا الصلاح في بعض البستان ، كان صلاحا لباقيه وإن كان كبيرا . ولم يكن صلاحا لما جاوزه وإن كان صغيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية