صفحة جزء
( 885 ) مسألة : قال : ومن ترك تكبيرة الإحرام ، أو قراءة الفاتحة - وهو إمام أو منفرد - ، أو الركوع ، أو الاعتدال بعد الركوع ، أو السجود ، أو الاعتدال بعد السجود ، أو التشهد الأخير ، أو السلام ، بطلت صلاته ، عامدا أو ساهيا وجملة ذلك أن المشروع في الصلاة ينقسم قسمين : واجب ، ومسنون ، فالواجب نوعان ; أحدهما ، لا يسقط في العمد ولا في السهو ، وهو الذي ذكره الخرقي في هذه المسألة ، وهو عشرة أشياء : تكبيرة الإحرام ، وقراءة الفاتحة للإمام والمنفرد ، والقيام ، والركوع حتى يطمئن ، والاعتدال عنه حتى يطمئن ، والسجود حتى يطمئن ، والاعتدال عنه بين السجدتين حتى يطمئن ; والتشهد في آخر الصلاة ، والجلوس له ، والسلام ، وترتيب الصلاة ، على ما ذكرناه .

فهذه تسمى أركانا للصلاة لا تسقط في عمد ولا سهو . وفي وجوب بعض ذلك اختلاف ذكرناه فيما مضى . وقد دل على وجوبها حديث أبي هريرة عن المسيء في صلاته . فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : لم تصل وأمره بإعادة الصلاة ، فلما سأله أن يعلمه علمه هذه الأفعال ، فدل على أنه لا يكون مصليا بدونها . ودل الحديث على أنها لا تسقط بالسهو ; فإنها لو سقطت بالسهو ، لسقطت عن الأعرابي لكونه جاهلا بها . والجاهل كالناسي . فأما بطلان الصلاة بتركها ففيه تفصيل ، وذلك أنه لا يخلو ; إما أن يتركها عمدا أو سهوا . فإن من تركها عمدا بطلت صلاته في الحال ، وإن ترك شيئا منها سهوا ، ثم ذكره في الصلاة ، أتى به ، على ما سنبينه فيما بعد ، إن شاء الله ، وإن لم يذكره حتى فرغ من الصلاة .

فإن طال الفصل . ابتدأ الصلاة ، وإن لم يطل بنى عليها ، نص أحمد على هذا ، في رواية جماعة . وبهذا قال الشافعي ونحوه قال مالك ويرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة والعرف . واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم كقولنا وقال بعضهم : الفصل الطويل قدر ركعة وهو المنصوص عن الشافعي وقال بعضهم قدر الصلاة التي نسي فيها والذي قلنا أصح لأنه لا حد له في الشرع فيرجع إلى العرف فيه ولا يجوز [ ص: 367 ] التقدير بالتحكم .

وقال جماعة من أصحابنا : متى ترك ركنا فلم يدركه حتى سلم ، بطلت صلاته . قال النخعي ، والحسن من نسي سجدة من صلاة ، ثم ذكرها في الصلاة ، سجدها متى ذكرها ، فإذا قضى صلاته ، سجد سجدتي السهو . وعن مكحول ، ومحمد بن أسلم الطوسي في المصلي ينسى سجدة أو ركعة ، يصليها متى ما ذكرها ، ويسجد سجدتي السهو . وعن الأوزاعي في رجل نسي سجدة من صلاة الظهر ، فذكرها في صلاة العصر ، يمضي في صلاته ، فإذا فرغ سجدها . ولنا ، على أن الصلاة لا تبطل مع قرب الفصل ، أنه لو ترك ركعة أو أكثر ، فذكر قبل أن يطول الفصل ، أتى بما ترك ، ولم تبطل صلاته إجماعا . وقد دل عليه حديث ذي اليدين فإذا ترك ركنا واحدا ، فأولى أن لا تبطل الصلاة ; فإنه لا يزيد على ترك ركعة .

والدليل على أن الصلاة تبطل بتطاول الفصل ، أنه أخل بالموالاة ، فلم تصح صلاته كما لو ذكر في يوم ثان .

( 884 ) فصل : ويلزمه أن يأتي بركعة ، إلا أن يكون المنسي التشهد والسلام ، فإنه يأتي به ويسلم ، ثم يسجد للسهو . وقال الشافعي يأتي بالركن وما بعده لا غير . ويأتي الكلام على هذا في باب سجود السهو . قال أحمد - رحمه الله - . في رواية الأثرم ، فيمن نسي سجدة من الركعة الرابعة ، ثم سلم وتكلم : إذا كان الكلام الذي تكلم به من شأن الصلاة ، قضى ركعة ، لا يعتد بالركعة الأخيرة ; لأنها لا تتم إلا بسجدتيها ، فلما لم يسجد مع الركعة سجدتيها ، وأخذ في عمل بعد السجدة الواحدة ، قضى ركعة ، ثم تشهد وسلم وسجد سجدتي السهو . وإن تكلم بشيء من غير شأن الصلاة ، ابتدأ الصلاة .

قال أبو عبد الله وبهذا كان يقول مالك زعموا . ولعل أحمد رحمه الله ، ذهب إلى حديث ذي اليدين ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم وسأل أبا بكر ، وعمر : " أحق ما يقول ذو اليدين ؟ ثم بنى على ما مضى من صلاته . وفي الجملة فالحكم في ترك ركن من ركعة كالحكم في ترك الركعة بكمالها . والله أعلم .

( 885 ) فصل : وتختص تكبيرة الإحرام من بين الأركان بأن الصلاة لا تنعقد بتركها ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { تحريمها التكبير } . ولا يدخل في الصلاة بدونها .

ويختص القيام بسقوطه في النوافل ; لأنه يطول فيشق ، فسقط في النافلة ، مبالغة في تكثيرها ، كما سقط التوجه فيها في السفر على الراحلة ، مبالغة في تكثيرها . وتختص قراءة الفاتحة بسقوطها عن المأموم ; لأن قراءة إمامه له قراءة . ويختص السلام بأنه إذا نسيه أتى به خاصة .

التالي السابق


الخدمات العلمية