صفحة جزء
( 8333 ) مسألة ; قال : ( ولا يقبل فيما سوى الأموال ، مما يطلع عليه الرجال ، أقل من رجلين ) وهذا القسم نوعان ; أحدهما ، العقوبات ، وهي الحدود والقصاص فلا يقبل فيه إلا شهادة رجلين ، إلا ما روي عن عطاء ، وحماد ، أنهما قالا : يقبل فيه رجل وامرأتان ; قياسا على الشهادة في الأموال .

ولنا ، أن هذا مما يحتاط لدرئه وإسقاطه ، ولهذا يندرئ بالشبهات ، ولا تدعو الحاجة إلى إثباته ، وفي شهادة النساء شبهة ، بدليل قوله تعالى : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } . وأنه لا تقبل شهادتهن وإن كثرن ، ما لم يكن معهن رجل ، فوجب أن لا تقبل شهادتهن فيه . ولا يصح قياس هذا على المال ، لما ذكرنا من الفرق . وبهذا الذي ذكرنا قال سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والنخعي ، وحماد ، والزهري ، وربيعة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي .

واتفق هؤلاء وغيرهم على أنها تثبت بشهادة رجلين ، ما خلا الزنى ، إلا الحسن ; فإنه قال : الشهادة على القتل ، كالشهادة على الزنى ; لأنه يتعلق به إتلاف النفس ، فأشبه الزنى . ولنا ، أنه أحد نوعي القصاص ، فأشبه القصاص في الطرف ، وما ذكره من الوصف لا أثر له ، فإن الزنى الموجب للحد لا يثبت إلا بأربعة ، ولأن حد الزنى حق لله تعالى يقبل الرجوع عن الإقرار به . ويعتبر في شهداء هذا النوع من الحرية والذكورية والإسلام والعدالة ، ما يعتبر في شهداء الزنى ، على ما سنذكره ، إن شاء الله تعالى .

الثاني ، ما ليس بعقوبة كالنكاح ، والرجعة ، والطلاق ، والعتاق ، والإيلاء ، والظهار ، والنسب ، والتوكيل ، والوصية إليه ، والولاء ، والكتابة ، وأشباه هذا . فقال القاضي : المعول عليه في المذهب ، أن هذا لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين ، ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال . وقد نص أحمد في رواية الجماعة ، على أنه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق . وقد نقل عن أحمد ، في الوكالة : إن كانت بمطالبة دين - يعني تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين - فأما غير ذلك فلا .

ووجه ذلك ; أن الوكالة في اقتضاء الدين يقصد منها المال ، فيقبل فيما شهادة رجل وامرأتين ، كالحوالة . قال القاضي : فيخرج من هذا ، أن النكاح وحقوقه ، من الرجعة وشبهها ، لا تقبل فيها شهادة النساء رواية واحدة ، وما عداه يخرج على روايتين . وقال أبو الخطاب : يخرج في النكاح والعتاق أيضا روايتان ; إحداهما ، لا تقبل فيه إلا شهادة رجلين . وهو قول النخعي ، والزهري ، ومالك ، وأهل المدينة ، والشافعي . وهو قول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وربيعة ، في الطلاق . والثانية ، تقبل فيه شهادة رجلين وامرأتين . روي ذلك عن جابر بن زيد ، وإياس بن معاوية ، والشعبي ، والثوري ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

وروي ذلك في النكاح عن عطاء واحتجوا بأنه لا [ ص: 157 ] يسقط بالشبهة ، فيثبت برجل وامرأتين ، كالمال . ولنا ، أنه ليس بمال ، ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال ، فلم يكن للنساء في شهادته مدخل ، كالحدود والقصاص . وما ذكروه لا يصح ; فإن الشبهة لا مدخل لها في النكاح ، وإن تصور بأن تكون المرأة مرتابة بالحمل ، لم يصح النكاح . ( 8334 ) فصل : وقد نقل عن أحمد رضي الله عنه في الإعسار ما يدل على أنه لا يثبت إلا بثلاثة ; لحديث قبيصة بن المخارق : { حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه ، لقد أصابت فلانا فاقة } .

قال أحمد : هكذا جاء الحديث . فظاهر هذا أنه أخذ به . وروي عنه ، أنه لا يقبل قوله إنه وصى ، حتى يشهد له رجلان ، أو رجل عدل . فظاهر هذا أنه يقبل في الوصية شهادة رجل واحد . وقال في الرجل : يوصي ولا يحضره إلا النساء . قال : أجيز شهادة النساء . فظاهر هذا أنه أثبت الوصية بشهادة النساء على الانفراد ، إذا لم يحضره الرجال . قال القاضي : والمذهب أن هذا كله لا يثبت إلا بشاهدين ، وحديث قبيصة في حل المسألة ، لا في الإعسار . ( 8335 ) فصل : ولا يثبت شيء من هذين النوعين بشاهد ويمين المدعي ; لأنه إذا لم يثبت بشهادة رجل وامرأتين ، فلئلا يثبت بشهادة واحد ويمين أولى . قال أحمد ، ومالك ، في الشاهد واليمين : إنما يكون ذلك في الأموال خاصة ، لا يقع في حد ، ولا نكاح ، ولا طلاق ، ولا عتاقة ، ولا سرقة ، ولا قتل .

وقد قال الخرقي : إذا ادعى العبد أن سيده أعتقه ، وأتى بشاهد ، حلف مع شاهده ، وصار حرا . ونص عليه أحمد . وقال في شريكين في عبد ، ادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه ، وكانا معسرين عدلين : فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير حرا ، أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه حرا . فيخرج مثل هذا في الكتابة ، والولاء ، والوصية ، الوديعة ، والوكالة ، فيكون في الجميع روايتان ، ما خلا العقوبات البدنية ، والنكاح ، وحقوقه ، فإنها لا تثبت إلا بشاهد ويمين ، قولا واحدا . قال القاضي : المعمول عليه في جميع ما ذكرناه ، أنه لا يثبت إلا بشاهدين . وهو قول الشافعي .

وروى الدارقطني ، بإسناده عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { استشرت جبريل في القضاء باليمين مع الشاهد ، فأشار علي في الأموال ، لا تعد ذلك } . وقال عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه قضى بالشاهد واليمين ؟ } قال : نعم في الأموال . وتفسير الراوي أولى من تفسير غيره . رواه الإمام أحمد ، وغيره ، بإسنادهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية