صفحة جزء
( 8337 ) فصل : وأكثر أهل العلم يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين . وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم وهو قول الفقهاء السبعة ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وشريح ، وإياس ، وعبد الله بن عتبة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، ويحيى بن يعمر ، وربيعة ، ومالك ، وابن أبي ليلى ، وأبي الزناد ، والشافعي .

وقال الشعبي ، والنخعي ، وأصحاب الرأي ، والأوزاعي : لا يقضى بشاهد ويمين . وقال محمد بن الحسن : من قضى بالشاهد واليمين ، نقضت حكمه ; لأن الله تعالى قال : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } . فمن زاد في ذلك ، فقد زاد في النص ، والزيادة في النص نسخ ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر } . فحصر اليمين في جانب المدعى عليه ، كما حصر البينة في جانب المدعي .

ولنا ، ما روى سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد . } رواه سعيد بن منصور في " سننه " ، والأئمة من أهل السنن والمسانيد ، قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، وفي الباب عن علي ، وابن عباس ، وجابر ، ومسروق . وقال النسائي : إسناد حديث ابن عباس في اليمين مع الشاهد إسناد جيد .

ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه ، وقوي جانبه ، ولذلك شرعت في حق صاحب اليد لقوة جنبه بها ، وفي حق المنكر لقوة جنبه ، فإن الأصل براءة ذمته ، والمدعي هاهنا قد ظهر صدقه ، فوجب أن تشرع اليمين في حقه . ولا حجة لهم في الآية ; لأنها دلت على مشروعية الشاهدين ، والشاهد والمرأتين ، ولا نزاع في هذا . وقولهم : إن الزيادة في النص نسخ .

غير صحيح ; لأن النسخ الرفع والإزالة ، والزيادة في الشيء تقرير له ، لا رفع ، والحكم بالشاهد واليمين لا يمنع الحكم بالشاهدين ، ولا يرفعه ; ولأن الزيادة لو كانت متصلة بالمزيد عليه لم ترفعه ، ولم تكن نسخا ، فكذلك إذا انفصلت عنه ، ولأن الآية واردة في التحمل دون الأداء ، ولهذا قال : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } .

والنزاع في الأداء ، وحديثهم ضعيف ، وليس هو للحصر ; بدليل أن اليمين تشرع في حق المودع إذا ادعى رد الوديعة وتلفها ، وفي حق الأمناء لظهور جنايتهم ، وفي حق الملاعن ، وفي القسامة ، وتشرع في حق البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن والسلعة قائمة . وقول محمد [ ص: 159 ] في نقض قضاء من قضى بالشاهد واليمين ، يتضمن القول بنقض قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الذين قضوا به ، وقد قال الله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } . والقضاء بما قضى به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أولى من قضاء محمد بن الحسن المخالف له . :

التالي السابق


الخدمات العلمية