صفحة جزء
( 8365 ) فصل : في الملاهي : وهي على ثلاثة أضرب ; محرم ، وهو ضرب الأوتار والنايات ، والمزامير كلها ، والعود ، والطنبور ، والمعزفة ، والرباب ، ونحوها ، فمن أدام استماعها ، ردت شهادته ; لأنه يروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا ظهرت في أمتي خمس عشرة خصلة ، حل بهم البلاء } . فذكر منها إظهار المعازف والملاهي . وقال سعيد : ثنا فرج بن فضالة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله بعثني رحمة للعالمين ، وأمرني بمحق المعازف والمزامير ، لا يحل بيعهن ولا شراؤهن ولا تعليمهن ولا التجارة فيهن ، وثمنهن حرام } . يعني الضاربات .

وروى نافع ، قال : { سمع ابن عمر مزمارا ، قال : فوضع إصبعيه في أذنيه ، ونأى عن الطريق ، وقال لي : يا نافع ، هل تسمع شيئا ؟ قال : فقلت : لا . قال : فرفع إصبعيه من أذنيه ، وقال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا ، فصنع مثل هذا } . رواه الخلال ، في " جامعه " من طريقين ، ورواه أبو داود في " سننه " ، وقال : حديث منكر . وقد احتج قوم بهذا الخبر على إباحة المزمار ، وقالوا : لو كان حراما لمنع النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر من سماعه ، ومنع ابن عمر نافعا من استماعه ، ولأنكر على الزامر بها . قلنا : أما الأول فلا يصح ; لأن المحرم استماعها دون سماعها ، والاستماع غير السماع ، ولهذا فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع والمستمع ، ولم يوجبوا على من سمع شيئا محرما سد أذنيه ، وقال الله تعالى : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } . ولم يقل : سدوا آذانهم .

والمستمع هو الذي يقصد السماع ، ولم يوجد هذا من ابن عمر ، وإنما وجد منه السماع ; ولأن بالنبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه ; لأنه عدل عن الطريق ، وسد أذنيه ، فلم يكن ليرجع إلى الطريق ، ولا يرفع إصبعيه عن أذنيه ، حتى ينقطع الصوت عنه ، فأبيح للحاجة . [ ص: 174 ] وأما الإنكار ، فلعله كان في أول الهجرة ، حين لم يكن الإنكار واجبا ، أو قبل إمكان الإنكار ; لكثرة الكفار ، وقلة أهل الإسلام . فإن قيل : فهذا الخبر ضعيف ، فإن أبا داود رواه ، وقال : هو حديث منكر . قلنا : قد رواه الخلال بإسناده من طريقين ، فلعل أبا داود ضعفه لأنه لم يقع له إلا من إحدى الطريقين .

وضرب مباح ; وهو الدف ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أعلنوا النكاح ، واضربوا عليه بالدف } . أخرجه مسلم . وذكر أصحابنا ، وأصحاب الشافعي ، أنه مكروه في غير النكاح ; لأنه يروى عن عمر ، أنه كان إذا سمع صوت الدف ، بعث فنظر ، فإن كان في وليمة سكت ، وإن كان في غيرها ، عمد بالدرة . ولنا ، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن امرأة جاءته ، فقالت : إني نذرت إن رجعت من سفرك سالما ، أن أضرب على رأسك بالدف . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك } . رواه أبو داود .

ولو كان مكروها لم يأمرها به وإن كان منذورا . وروت الربيع بنت معوذ ، قالت : { دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بني بي ، فجعلت جويريات يضربن بدف لهن ، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، إلى أن قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : دعي هذا ، وقولي الذي كنت تقولين } متفق عليه .

وأما الضرب به للرجال فمكروه على كل حال ; لأنه إنما كان يضرب به النساء ، والمخنثون المتشبهون بهن ، ففي ضرب الرجال به تشبه بالنساء ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء . فأما الضرب بالقضيب ، فمكروه إذا انضم إليه محرم أو مكروه ، كالتصفيق والغناء والرقص ، وإن خلا عن ذلك كله لم يكره ; لأنه ليس بآلة ولا بطرب ، ولا يسمع منفردا ، بخلاف الملاهي . ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما قلنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية