صفحة جزء
( 890 ) فصل : يكره أن يترك شيئا من سنن الصلاة ، ويكره أن يلتفت في الصلاة لغير حاجة ; لما روت عائشة ، رضي الله عنها قالت : { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة ؟ فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد . } من الصحاح ، رواه سعيد بن منصور . وفي المسند ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ، ما لم يلتفت ، فإذا التفت انصرف عنه } . رواهما أبو داود . ولأنه يشغل عن الصلاة ، فكان تركه أولى . فإن كان لحاجة لم يكره ; لما روى أبو داود ، عن سهل بن الحنظلية ، قال : { ثوب بالصلاة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب . } قال أبو داود وكان أرسل فارسا إلى الشعب يحرس . رواه أبو داود . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت يمينا وشمالا ، ولا يلوي عنقه خلف ظهره . } رواه النسائي

ولا تبطل الصلاة بالالتفات إلا أن يستدير بجملته عن القبلة ، أو يستدبر القبلة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، وبهذا قال أبو ثور . قال ابن عبد البر : وجمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرا .

ويكره رفع البصر لما روى البخاري أن أنسا ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ، فاشتد قوله في ذلك ، حتى قال : لينتهين ، أو لتخطفن أبصارهم } .

ويكره أن ينظر إلى ما يلهيه ، أو ينظر في كتاب ; لما روت عائشة ، رضي الله عنها قالت : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام . فقال : شغلتني أعلام هذه ، اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة ، وأتوني بأنبجانيته } . رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : { أميطي عنا قرامك هذا ; فإنه لا يزال تصاويره تعرض لي في صلاتي } . رواه البخاري . [ ص: 370 ]

ويكره أن يصلي ويده على خاصرته ; لما روى أبو هريرة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل متخصرا . } رواه البخاري ، ومسلم . وعن زياد بن صبيح الحنفي ، قال : { صليت إلى جنب ابن عمر ، فوضعت يدي على خاصرتي ، فلما صلى قال : هذا الصلب في الصلاة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه . } رواه أبو داود .

ويكره أن يصلي وهو معقوص أو مكتوف ; لما روى مسلم ، عن ابن عباس : { أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ، ورأسه معقوص من ورائه ، فقام فجعل يحله ، فلما انصرف أقبل على ابن عباس ، فقال : ما لك ورأسي ؟ فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف . }

ويكره أن يكف شعره وثيابه ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ، ولا أكف شعرا ولا ثوبا } . متفق عليه .

ويكره التشبيك في الصلاة ; لما روى ابن ماجه ، عن كعب بن عجرة ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ، ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه . } وقال ابن عمر ، في الذي يصلي وهو مشبك يديه : تلك صلاة المغضوب عليهم .

ويكره فرقعة الأصابع ، لما روى ابن ماجه ، عن علي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة } .

ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس في الصلاة ; لما روي عن ابن عمر ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده . }

ويكره مسح الحصا ; لما روى أحمد ، في المسند ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه ، فلا يمسح الحصا } . وعن معيقيب ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسح الحصا في الصلاة : إن كنت فاعلا فمرة واحدة } . رواه مسلم ، ورواهما ابن ماجه ، وأبو داود .

ويكره العبث كله ، وما يشغل عن الصلاة ويذهب بخشوعها ، وقد روي ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث في الصلاة ، فقال : لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه } . ولا نعلم بين أهل العلم في كراهة هذا كله اختلافا ، وممن كرهه الشافعي ، ونقل كراهة بعضه عن ابن عباس ، وعائشة ، ومجاهد ، والنخعي ، وأبي مجلز ومالك ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

ويكره أن يلصق إحدى قدميه بالأخرى في حال قيامه ; لما روى الأثرم ، عن عيينة بن عبد الرحمن ، قال : كنت مع أبي في المسجد ، فرأى رجلا يصلي ، قد صف بين قدميه ، وألزق إحداهما بالأخرى ، فقال أبي : لقد أدركت في هذا المسجد ثمانية عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيت أحدا منهم فعل هذا قط . وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ، ولا يمس إحداهما بالأخرى ، ولكن بين ذلك ، لا يقارب ولا يباعد .

ويكره أن يغمض عينيه في الصلاة . نص عليه أحمد ; وقال : هو فعل اليهود . وكذلك قال سفيان ، وروي ذلك عن مجاهد ، والثوري ، والأوزاعي . وروي عن الحسن جوازه من غير كراهة . وقد روي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه } . رواه الطبراني في معجمه ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم . وقال : هذا حديث منكر .

ويكره أن يكثر الرجل مسح جبهته في الصلاة ; لما روى ابن المنذر ، عن ابن مسعود ، قال من الجفاء أن يكثر [ ص: 371 ] الرجل مسح جبهته ، قبل أن يفرغ من الصلاة ، وروي أيضا مرفوعا . وكرهه الأوزاعي وقال سعيد بن جبير : هو من الجفاء . وروى الأثرم ، عن ابن عباس ، قال : لا تمسح جبهتك . ولا تنفخ ، ولا تحرك الحصا . ورخص فيه مالك ، وأصحاب الرأي .

وكره أحمد التروح في الصلاة ، إلا من الغم الشديد . وبذلك قال إسحاق وكرهه عطاء ، وأبو عبد الرحمن ، ومسلم بن يسار ، ومالك . ورخص فيه ابن سيرين ، ومجاهد ، والحسن ، وعائشة بنت سعد .

وكره التميل في الصلاة . لما روى النجاد ، بإسناده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قام أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه . ولا يتميل مثل اليهود } . ولا تبطل الصلاة بجميع ذلك ، إلا ما كان منها فعلا ، كالعبث ، وفرقعة الأصابع ، إذا كثر متواليا ، فإنه يبطل الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية