صفحة جزء
( 8373 ) مسألة ; قال : ( وتجوز شهادة الكفار من أهل الكتاب ، في الوصية في السفر ، إذا لم يكن غيرهم ) وجملته ، أنه إذا شهد بوصية المسافر الذي مات في سفره شاهدان من أهل الذمة ، قبلت شهادتهما ، إذا لم يوجد غيرهما ، ويستحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ، ولا اشتريا به ثمنا قليلا { ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين } . قال ابن المنذر وبهذا قال أكابر الماضين . يعني الآية التي في سورة المائدة .

وممن قاله شريح ، والنخعي ، والأوزاعي ، ويحيى بن حمزة . وقضى بذلك ابن مسعود ، وأبو موسى رضي الله عنهما . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : لا تقبل ; لأن من لا تقبل شهادته على غير الوصية ، لا تقبل في الوصية ; كالفاسق ولأن الفاسق لا تقبل شهادته ، فالكافر أولى . واختلفوا في تأويل الآية ; فمنهم من حملها على التحمل دون الأداء ، ومنهم من قال : المراد بقوله { من غيركم } . أي من غير عشيرتكم . ومنهم من قال : الشهادة في الآية اليمين .

ولنا ، قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت } . وهذا نص الكتاب ، وقد قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فروى { ابن عباس ، قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري ، وعدي بن زيد ، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم ، فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصا بالذهب ، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة ، فقالوا : اشتريناه من تميم وعدي ، فقام رجلان من أولياء السهمي ، فحلفا بالله : لشهادتنا أحق من شهادتهما ، وإن الجام لصاحبهم . فنزلت فيهم : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } }

وعن الشعبي { أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء ، ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته ، فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، فقدما الكوفة ، فأتيا الأشعري ، فأخبراه ، وقدما بتركته ووصيته ، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر ما خانا ، ولا كذبا ، ولا بدلا ، ولا كتما ، ولا غيرا ، وأنها لوصية الرجل ، وتركته ، فأمضى شهادتهما } . رواهما أبو داود ، في " سننه " . وروى الخلال حديث أبي موسى بإسناده . وحمل الآية على أنه أراد من غير عشيرتكم ، لا يصح ; لأن الآية [ ص: 181 ] نزلت في قضية عدي ، وتميم ، بلا خلاف بين المفسرين ، وقد فسرها بما قلنا سعيد بن المسيب ، والحسن ، وابن سيرين ، وعبيدة ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وسليمان التيمي ، وغيرهم ، ودلت عليه الأحاديث التي رويناها . ولأنه لو صح ما ذكروه ، لم تجب الأيمان ; لأن الشاهدين من المسلمين لا قسامة عليهم .

وحملها على التحمل لا يصح ; لأنه أمر بإحلافهم ، ولا أيمان في التحمل . وحملها على اليمين لا يصح ; لقوله : { فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله } . ولأنه عطفها على ذوي العدل من المؤمنين ، وهما شاهدان .

وروى أبو عبيد ، في " الناسخ والمنسوخ " أن ابن مسعود قضى بذلك في زمن عثمان . قال أحمد : أهل المدينة ليس عندهم حديث أبي موسى ، من أين يعرفونه ؟ فقد ثبت هذا الحكم بكتاب الله ، وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الصحابة به ، وعملهم بما ثبت في الكتاب والسنة ، فتعين المصير إليه ، والعمل به ، سواء وافق القياس أو خالفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية