صفحة جزء
( 8379 ) مسألة ; قال : وتجوز شهادة الأعمى ، إذا تيقن الصوت روي هذا عن علي ، وابن عباس . وبه قال ابن سيرين ، وعطاء ، والشعبي ، والزهري ، ومالك ، وابن أبي ليلى ، وإسحاق ، وابن المنذر . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا تقبل شهادته .

وروي ذلك عن النخعي ، وأبي هاشم ، واختلف عن الحسن ، وإياس ، وابن أبي ليلى . وأجاز الشافعي شهادته بالاستفاضة والترجمة ، وإذا أقر عند أذنه ويد الأعمى على رأسه ، ثم ضبطه حتى حضر عند الحاكم ، فشهد عليه ، ولم يجزها في غير ذلك ; لأن من لا تجوز شهادته على الأفعال ، لا تجوز على الأقوال ، كالصبي ، ولأن الأصوات تشتبه ، فلا يحصل اليقين ، فلم يجز أن يشهد بها ، كالخط . ولنا ، قوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } .

وسائر الآيات في الشهادة ، ولأنه رجل عدل [ ص: 185 ] مقبول الرواية ، فقبلت شهادته ، كالبصير ، وفارق الصبي ، فإنه ليس برجل ولا عدل ولا مقبول الرواية ، ولأن السمع أحد الحواس التي يحصل بها اليقين ، وقد يكون المشهود عليه من ألفه الأعمى ، وكثرت صحبته له ، وعرف صوته يقينا ، فيجب أن تقبل شهادته فيما تيقنه ، كالبصير ، ولا سبيل إلى إنكار حصول اليقين في بعض الأحوال . قال قتادة : للسمع قيافة كقيافة البصر . ولهذا قال أصحاب الشافعي : تقبل شهادته فيما يثبت بالاستفاضة ، ولا يثبت عندهم حتى يسمعها من عدلين ، ولا بد أن يعرفهما حتى يعرف عدالتهما ، فإذا صح أن يعرف الشاهدين ، صح أن يعرف المقر .

ولا خلاف في قبول روايته ، وجواز استماعه من زوجته إذا عرف صوتها ، وصحة قبوله النكاح ، وجواز اشتباه الأصوات ، كجواز اشتباه الصور ، وفارق الأفعال ; فإن مدركها الرؤية ، وهي غير ممكنة من الأعمى ، والأقوال مدركها السمع ، وهو يشارك البصير فيه ، وربما زاد عليه ، يفارق الخط ، فإنه لو تيقن من كتب الخط ، أو رآه وهو يكتبه ، لم يجز أن يشهد بما كتب فيه . إذا ثبت هذا ، فإنه لا يجوز أن يشهد إلا إذا تيقن الصوت ، وعلم المشهود عليه يقينا . فإن جوز أن يكون صوت غيره ، لم يجز أن يشهد به ، كما لو اشتبه على البصير المشهود عليه ، فلم يعرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية