صفحة جزء
( 8399 ) مسألة ; قال : وتوبته أن يكذب نفسه . ظاهر كلام أحمد والخرقي ، أن توبة القاذف إكذاب نفسه ، فيقول : كذبت فيما قلت . وهذا منصوص الشافعي ، واختيار الإصطخري من أصحابه . قال ابن عبد البر : وممن قال هذا سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، والشعبي ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، لما روى الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه قال ، في قوله تعالى : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم } . قال : توبته إكذاب نفسه } .

ولأن عرض المقذوف تلوث بقذفه ، فإكذابه نفسه يزيل ذلك التلويث ، فتكون التوبة به ، وذكر القاضي أن القذف إن كان سبا ، فالتوبة منه إكذاب نفسه ، وإن كان شهادة ، فالتوبة منه أن يقول : القذف حرام باطل ، ولن أعود إلى ما قلت . وهذا قول بعض أصحاب الشافعي . قال : وهو المذهب ; لأنه قد يكون صادقا ، فلا يؤمر بالكذب ، والخبر محمول على الإقرار بالبطلان ; لأنه نوع إكذاب والأولى أنه متى علم من نفسه الصدق فيما قذف به ، فتوبته الاستغفار ، والإقرار ببطلان ما قاله وتحريمه ، وأنه لا يعود إلى مثله . وإن لم يعلم صدق نفسه ، فتوبته إكذاب نفسه ، سواء كان القذف بشهادة أو سب ; لأنه قد يكون كاذبا في الشهادة ، صادقا في السب .

ووجه الأول ، أن الله تعالى سمى القاذف كاذبا إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق ، بقوله سبحانه : { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } . فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى أنه كاذب في حكم الله ، وإن كان في نفس الأمر صادقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية