صفحة جزء
( 8405 ) مسألة ; قال : ( ولو شهد وهو عدل ، فلم يحكم بشهادته حتى حدث منه ما لا تجوز شهادته معه ، لم يحكم بها ) . وجملة ذلك أن الشاهدين إذا شهدا عند الحاكم ، وهما ممن تقبل شهادته ، ولم يحكم بها حتى فسقا ، أو كفرا ، لم يحكم بشهادتهما . وبهذا قال أبو يوسف ، والشافعي .

وقال أبو ثور ، والمزني : يحكم بها ; لأن بقاء أهلية الشهادة ليس شرطا في الحكم ; بدليل ما لو ماتا ; ولأن فسقهما تجدد بعد أداء الشهادة ، فأشبه ما لو تجدد بعد الحكم [ ص: 196 ] بها . ووجه ذلك من طريقين ; أحدهما ، أن عدالة الشاهد شرط للحكم فيعتبر دوامها إلى حين الحكم ; لأن الشروط لا بد من وجودها في المشروط ، وإذا فسق انتفى الشرط ، فلم يجز الحكم .

والثاني ، أن ظهور فسقه وكفره ، يدل على تقدمه ; لأن العادة أن الإنسان يسر الفسق ، ويظهر العدالة ، والزنديق يسر كفره ، ويظهر إسلامه ، فلا نأمن كونه كافرا أو فاسقا حين أداء الشهادة ، فلم يجز الحكم بها مع الشك فيها ، فأما إن حدث هذا منه بعد الحكم بشهادته ، لم ينقض ; لأن الحكم وقع صحيحا ، لاستمرار شرطه إلى انتهائه ; ولأنه قد وجد مقرونا بشرطه ظاهرا ، فلا ينقض بالشك ، كما لو رجع عن الشهادة ، وكما لو صلى بالتيمم ، ثم وجد الماء ، لكن إن كان ذلك قبل الاستيفاء ، وكان حدا لله تعالى ، لم يجز استيفاؤه ; بالشبهات لأنه يدرأ ، وهذا شبهة فيه ، فأشبه ما لو رجع عن الإقرار به قبل استيفائه .

وإن كان مالا استوفي ; لأن الحكم قد تم ، وثبت الاستحقاق بأمر ظاهر الصحة ، فلا يبطل بأمر محتمل ، ولذلك لم يبطل رجوعه عن إقراره . وإن كان حد قذف أو قصاصا ، احتمل وجهين ; أحدهما ، يستوفى . وهذا قول أبي حنيفة ; لأنه حق آدمي مطالب به ، أشبه المال . والثاني ، لا يستوفى . وهذا قول محمد ; لأنه عقوبة على البدن ، تدرأ بالشبهات ، أشبه الحد . وللشافعي وجهان ، كهذين . وأما ما حدث بعد الاستيفاء ، فلا يؤثر في حد ولا حق ; لأن الحق استوفي بما ظاهره الصحة ، وسوغ الشرع استيفاءه ، فلم يؤثر فيه ما طرأ بعده ، كما لو لم يظهر شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية