صفحة جزء
( 8441 ) فصل : وإذا نكل من توجهت عليه اليمين عنها ، وقال : لي بينة أقيمها ، أو حساب أستثبته ، لأحلف على ما أتيقن . فذكر أبو الخطاب ، أنه لا يمهل ، وإن لم يحلف جعل ناكلا . وقيل : لا يكون ذلك نكولا ، ويمهل مدة قريبة . وإن قال : ما أريد أن أحلف . أو سكت ، فلم يذكر شيئا نظرنا في المدعى ; فإن كان مالا أو المقصود منه المال ، قضي عليه بنكوله ، ولم ترد اليمين على المدعي . نص عليه أحمد فقال : أنا لا أرى رد اليمين ، إن حلف المدعى عليه ، وإلا دفع إليه حقه . وبهذا قال أبو حنيفة .

واختار أبو الخطاب ، أن له رد اليمين على المدعي ، إن ردها حلف المدعي ، وحكم له بما ادعاه . قال وقد صوبه أحمد ، فقال : ما هو ببعيد ، يحلف ويستحق . : هو قول أهل المدينة ، روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال شريح ، والشعبي ، والنخعي ، وابن سيرين ، ومالك في المال خاصة . وقال الشافعي في جميع الدعاوى ; لما روي عن نافع عن ابن عمر { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق } . رواه الدارقطني ; ولأنه إذا نكل ظهر صدق المدعي ، وقوي جانبه ، فتشرع اليمين في حقه ، كالمدعى عليه قبل نكوله ، وكالمدعي إذا شهد له شاهد واحد ، ولأن النكول قد يكون لجهله بالحال ، وتورعه عن الحلف على ما لا يتحققه ، أو للخوف من عاقبة اليمين ، أو ترفعا عنها ، مع علمه بصدقه في إنكاره ، ولا يتعين بنكوله صدق المدعي ، فلا يجوز الحكم له من غير دليل ، فإذا حلف كانت يمينه دليلا عند عدم ما هو أقوى منها ، كما [ ص: 217 ] في موضع الوفاق . وقال ابن أبي ليلى : لا أدعه حتى يقر أو يحلف .

ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ولكن اليمين على جانب المدعى عليه } . فحصرها في جانب المدعى عليه . وقوله : { البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه } . فجعل جنس اليمين في جنب المدعى عليه ، كما جعل جنس البينة في جنبة المدعي . وقال أحمد : قدم ابن عمر إلى عثمان في عبد له ، فقال له : احلف أنك ما بعته وبه عيب علمته . فأبى ابن عمر أن يحلف ، فرد العبد عليه ، ولم يرد اليمين على المدعي .

ولأنها بينة في المال ، فحكم فيها بالنكول ، كما لو مات من لا وارث له ، فوجد الإمام في دفتره دينا له على إنسان ، فطالبه به ، فأنكره ، وطلب منه اليمين ، فأنكره ، فإنه لا خلاف أن اليمين لا ترد . وقد ذكر أصحاب الشافعي في هذا ، أنه يقضى بالنكول ، في أحد الوجهين ، وفي الآخر ، يحبس المدعى عليه ، حتى يقر ، أو يحلف . وكذلك لو ادعى رجل على ميت أنه وصى إليه بتفريق ثلثه ، وأنكر الورثة ، ونكلوا عن اليمين ، قضي عليهم .

والخبر لا تعرف صحته ، ومخالفة ابن عمر له في القصة التي ذكرناها ، يدل على ضعفه ، فإنه لم يرد اليمين على المدعي ، ولا ردها عثمان . فعلى هذا ، إذا نكل عن اليمين ، قال له الحاكم : إن حلفت ، وإلا قضيت عليك . ثلاثا ، فإن حلف وإلا قضى عليه . وعلى القول الآخر ، يقول له : لك رد اليمين على المدعي . فإن ردها ، حلف ، وقضي له ، وإن نكل عن اليمين ، سئل عن سبب نكوله ، فإن قال : لي بينة أقيمها ، أو حساب أستثبته ، لأحلف على ما أتيقنه . أخرت الحكومة . وإن قال : ما أريد أن أحلف . سقط حقه من اليمين ، فلو بذلها في ذلك المجلس بعد هذا ، لم تسمع منه ، إلى أن يعود في مجلس آخر .

فإن قيل : فالمدعى عليه لو امتنع من اليمين ، ثم بذلها ، سمعت منه ، فلم منعتم سماعها هاهنا ؟ قلنا : اليمين في حق المدعى عليه هي الأصل ، فمتى قدر عليها ، أو بذلها ، وجب قبولها ، والمصير إليها ، كالمبدلات مع أبدالها ، وأما يمين المدعي ، فهي بدل ، فإذا امتنع منها ، لم ينتقل الحق إلى غيره ، فإذا امتنع منها ، سقط حقه منها ; لضعفها .

وأما إذا حلف ، وقضي له ، فعاد المدعى عليه ، وبذل اليمين ، لم يسمع منه ، وهكذا لو بذلها بعد الحكم عليه بنكوله ، لم يسمع ; لأن الحكم قد تم ، فلا ينقض ، كما لو قامت به بينة . فأما غير المال ، وما لا يقصد به المال ، فلا يقضى فيه بالنكول . نص عليه أحمد في القصاص . ونقل عنه ، في رجل ادعى على رجل أنه قذفه ، فقال : استحلفوه ، فإن قال : لا أحلف . أقيم عليه . قال أبو بكر : هذا قول قديم ، والمذهب أنه لا يقضي في شيء من هذا بالنكول ، ولا فرق بين القصاص في النفس ، والقصاص في الطرف .

وبهذا قال أبو يوسف ومحمد . وقال أبو حنيفة : يقضي بالنكول في القصاص فيما دون النفس . وعن أحمد مثله . والأول هو المذهب ; لأن هذا أحد نوعي القصاص ، فأشبه النوع الآخر . فعلى هذا ، ما يصنع به ؟ فيه وجهان ; أحدهما ، يخلى سبيله ; لأنه لم يثبت عليه حجة ، وتكون فائدة شرعية اليمين الردع والزجر . والثاني ، يحبس حتى يقر أو يحلف . وأصل الوجهين المرأة إذا نكلت عن اللعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية