صفحة جزء
( 8447 ) فصل : ومتى كانت الشهادة على فعل ، فاختلف الشاهدان في زمنه أو مكانه ، أو صفة له تدل على تغاير الفعلين ، لم تكمل شهادتهما ، مثل أن يشهد أحدهما أنه غصبه دينارا يوم السبت ، ويشهد الآخر أنه غصبه دينارا يوم الجمعة ، أو يشهد أحدهما أنه غصبه بدمشق ، ويشهد الآخر أنه غصبه بمصر ، أو يشهد أحدهما أنه غصبه دينارا ، ويشهد الآخر أنه غصبه ثوبا ، فلا تكمل الشهادة ; لأن كل فعل لم يشهد به شاهدان . وهكذا إن اختلفا في زمن القتل ، أو مكانه ، أو صفته ، أو في شرب الخمر ، أو القذف ، لم تكمل الشهادة ; لأن ما شهد به أحد الشاهدين غير الذي شهد به الآخر ، فلم يشهد بكل واحد من الفعلين إلا شاهد واحد ، فلم يقبل إلا على قول أبي بكر ، فإن هذه الشهادة لم تكمل .

ويثبت المشهود به إذا اختلفا في الزمان والمكان ، فأما إن اختلفا في صفة الفعل فشهد أحدهما أنه سرق مع الزوال كيسا أبيض ، وشهد آخر أنه سرق مع الزوال كيسا أسود ، أو شهد أحدهما أنه سرق هذا الكيس غدوة ، وشهد الآخر أنه سرقه عشيا ، لم تكمل الشهادة . ذكره ابن حامد . وقال أبو بكر : تكمل . والأول أصح ; لأن كل فعل لم يشهد به إلا واحد على ما قدمناه . وإن اختلفا في صفة المشهود به اختلافا يوجب تغايرهما ، مثل أن يشهد أحدهما بثوب والآخر بدينار ، فلا خلاف في أن الشهادة لا تكمل ; لأنه لا يمكن إيجابهما جميعا ; لأنه يكون إيجابا بالحق عليه بشهادة واحد ، ولا إيجاب أحدهما بعينه ; لأن الآخر لم يشهد به ، وليس أحدهما أولى من الآخر .

فأما إن شهد بكل فعل شاهدان ، واختلفا في الزمان ، أو المكان ، أو الصفة ، ثبتا جميعا ; لأن كل واحد منهما قد شهدت به بينة عادلة ، لو انفردت أثبتت الحق ، وشهادة الأخرى لا تعارضها ; لإمكان الجمع بينهما ، إلا أن يكون الفعل مما لا يمكن تكرره ، كقتل رجل بعينه ، فتتعارض البينتان ، لعلمنا أن إحداهما كاذبة ، ولا نعلم أيتهما هي ، بخلاف ما يتكرر ويمكن صدق البينتين فيه ، فإنهما جميعا يثبتان إن ادعاهما ، وإن لم يدع إلا إحداهما ، ثبت له ما ادعاه دون ما لم يدعه . وإن شهد اثنان أنه سرق مع الزوال كيسا أسود ، وشهد آخران أنه سرق مع الزوال كيسا أبيض ، أو شهد اثنان أنه سرق هذا الكيس غدوة ، وشهد آخران أنه سرقه عشيا ، فقال القاضي : يتعارضان .

وهو مذهب الشافعي . كما لو كان المشهود به قتلا . والصحيح أن هذا لا تعارض فيه ، لأنه يمكن صدق البينتين ، بأن يسرق [ ص: 221 ] عند الزوال كيسين أبيض وأسود ، فتشهد كل بينة بأحدهما ، ويمكن أن يسرق كيسا غدوة ثم يعود إلى صاحبه أو غيره ، فيسرقه عشيا ، ومع إمكان الجمع لا تعارض . فعلى هذا ، إن ادعاهما المشهود له ، ثبتا له في الصورة الأولى ، وأما في الصورة الثانية ، فيثبت له الكيس المشهود به حسب ; فإن المشهود به وإن كان فعلين ، لكنهما في محل واحد ، فلا يجب أكثر من ضمانه .

وإن لم يدع المشهود له إلا أحد الكيسين ، ثبت له ، ولم يثبت له الآخر ; لعدم دعواه إياه . وإن شهد له شاهد بسرقة كيس في يوم ، وشهد آخر بسرقة كيس في يوم آخر ، أو شهد أحدهما في مكان ، وشهد آخر بسرقة في مكان آخر ، أو شهد أحدهما بغصب كيس أبيض ، وشهد آخر بغصب كيس أسود ، فادعاهما المشهود له ، فله أن يحلف مع كل واحد منهما ، ويحكم له به ; لأنه مال قد شهد له به شاهد ، وإن لم يدع إلا أحدهما ، ثبت له ما ادعاه ، ولم يثبت له الآخر ; لعدم دعواه إياه .

التالي السابق


الخدمات العلمية