صفحة جزء
( 8508 ) مسألة ; قال : ( ولو كانت الدابة في أيديهما ، فأقام أحدهما البينة أنها له ، وأقام الآخر البينة أنها له ، نتجت في ملكه ، سقطت البينتان ، وكانا كمن لا بينة لهما ، وكانت اليمين لكل واحد منهما على صاحبه في النصف المحكوم له به ) وجملته أنه إذا تنازع رجلان في عين في أيديهما ، فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه ; ولم تكن لهما بينة ، حلف كل واحد منهما لصاحبه ، وجعلت بينهما نصفين . لا نعلم في هذا خلافا ; لأن يد كل واحد منهما على نصفها ، والقول قول صاحب اليد مع يمينه . وإن نكلا جميعا عن اليمين ، فهي بينهما أيضا ; لأن كل واحد [ ص: 247 ] منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله .

وإن نكل أحدهما ، وحلف الآخر ، قضي له بجميعها ; لأنه يستحق ما في يده بيمينه ، وما في يد صاحبه إما بنكوله ، وإما بيمينه التي ردت عليه عند نكول صاحبه . وإن كانت لأحدهما بينة دون الآخر حكم له بها . لا نعلم في هذا خلافا . وإن أقام كل واحد منهما بينة ، وتساوتا ، تعارضت البينتان ، وقسمت العين بينهما نصفين . وبهذا قال الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ; لما روى أبو موسى رضي الله عنه { أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير ، فأقام كل واحد منهما شاهدين ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبعير بينهما نصفين ، } رواه أبو داود . ولأن كل واحد منهما داخل في نصف العين ، خارج عن نصفها ، فتقدم بينة كل واحد منهما فيما في يده عند من يقدم بينة الداخل ، وفيما في يد صاحبه عند من يقدم بينة الخارج ، فيستويان على كل واحد من القولين .

وذكر أبو الخطاب فيها ، رواية أخرى ، أنه يقرع بينهما ، فمن خرجت قرعته ، حلف أنها لا حق للآخر فيها ، وكانت العين له ، كما لو كانت في يد غيرهما . والأول أصح ; للخبر والمعنى . واختلفت الرواية ، هل يحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به ، أو يكون له من غير يمين ؟ فروي أنه يحلف ، وهذا ذكره الخرقي ; لأن البينتين لما تعارضتا من غير ترجيح ، وجب إسقاطهما ، كالخبرين إذا تعارضا وتساويا ، وإذا سقطا صار المختلفان كمن لا بينة لهما ، ويحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به . وهذا أحد قولي الشافعي ; بناء على أن اليمين تجب على الداخل مع بينته ، وكل واحد منهما داخل في نصفها ، فيحكم له به ببينته ، ويحلف معها ، في أحد القولين . والرواية الأخرى ، أن العين تقسم بينهما من غير يمين . وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي . وهو أصح ; للخبر والمعنى الذي ذكرناه . ولا يصح قياس هاتين البينتين على الخبرين المتساويين ; لأن كل بينة راجحة في نصف العين ، على كل واحد من القولين .

وقد ذكرنا أن البينة الراجحة يحكم بها من غير حاجة إلى يمين . فأما إن شهدت إحدى البينتين بأن العين لهذا ، وشهدت الأخرى أنها لهذا الآخر ، نتجت في ملكه ، فقد ذكرنا في الترجيح بهذا روايتين ; إحداهما ، لا يرجح به . وهو اختيار الخرقي ; لأنهما تساويا فيما يرجع إلى المختلف فيه ، وهو ملك العين الآن ، فوجب تساويهما في الحكم . والثانية ، تقدم بينة النتاج وما في معناه . وهو مذهب أبي حنيفة ; لأنها تتضمن زيادة علم ، وهو معرفة السبب ، والأخرى خفي عليها ذلك ، فيحتمل أن تكون شهادتهما مستندة إلى مجرد اليد والتصرف ، فتقدم الأولى عليها ، كتقدم بينة الجرح على التعديل . وهذا قول القاضي فيما إذا كانت العين في يد غيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية