صفحة جزء
( 8528 ) فصل : وإذا ادعى سالم أن سيده أعتقه في مرض موته ، وادعى عبده الآخر غانم أنه أعتقه في مرض موته ، وكل واحد منهما ثلث ماله ، فأقام كل واحد منهما بدعواه بينة فلا تعارض بينهما ; لأن ما شهدت به كل بينة لا ينفي ما شهدت به الأخرى ، ولا تكذب إحداهما الأخرى ، فيثبت إعتاقه لهما ، ثم ينظر ، فإن كانت البينتان مؤرختين بتاريخين مختلفين ، عتق الأول منهما . ورق الثاني ، إلا أن يجيز الورثة ، لأن المريض إذا تبرع بتبرعات ، يعجز ثلثه عن جميعها ، قدم الأول فالأول ، وإن اتفق تاريخهما ، أو أطلقتا ، أو إحداهما ، فهما سواء ; لأنه لا مزيه لإحداهما على الأخرى ، فيستويان ، ويقرع بينهما ، فمن خرجت له القرعة ، عتق ، ورق الآخر ، إلا أن يجيز الورثة ; لأنه لا يخلو ; إما أن يكون أعتقهما معا ، فيقرع بينهما ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبيد الستة الذين أعتقهم سيدهم عند موته ، ولم يكن له مال غيرهم ، أو يكون أعتق أحدهما قبل صاحبه ، وأشكل علينا ، فيخرج بالقرعة ، كما في مسألة الطائر .

وقيل : يعتق من كل واحد نصفه . وهو قول للشافعي ; لأنه أقرب إلى التعديل بينهما فإن في القرعة ، قد يرق السابق المستحق للعتق ، ويعتق الثاني المستحق للرق ، وفي القسمة لا يخلو المستحق للعتق من حرية ، ولا المستحق للرق من رق ، ولذلك قسمنا المختلف فيه على إحدى الروايتين ، إذا تعارضت به بينتان . والأول المذهب ; لأنه لا يخلو من شبهة بإحدى الصورتين اللتين ذكرناهما . والقرعة ثابتة في كل واحدة منهما . وقولهم : إن في القرعة احتمال إرقاق نصف الحر . قلنا : وفي القسمة إرقاق نصف الحر يقينا ، وتحرير نصف الرقيق يقينا ، وهو أعظم ضررا . وإن كانت قيمة أحدهما الثلث ، وقيمة الآخر دون الثلث ، فكان الأول أو الذي خرجت قرعته الثلث ، عتق ، ورق الآخر .

وإن كان هو الناقص عن الثلث ، عتق ، وعتق من الآخر تمام الثلث . وإن كان لأحدهما بينة ، ولا بينة للآخر ، أو بينة فاسقة ، عتق صاحب البينة العادلة ، ورق الآخر . وإن كان لكل واحد منهما بينة عادلة ، إلا أن إحداهما تشهد أنه أعتق سالما في مرضه ، والأخرى تشهد بأنه وصى بعتق غانم ، وكان سالم ثلث المال ، عتق وحده ووقف عتق غانم على إجازة الورثة ; لأن التبرع يقدم على الوصية . وإن كان سالم أقل من الثلث ، عتق من غانم تمام الثلث .

وإن شهدت إحداهما أنه وصى بعتق سالم ، وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم ، فهما سواء ، ويقرع بينهما ، سواء اتفق تاريخهما أو اختلف ; لأن الوصية يستوي فيها المتقدم والمتأخر . وقال أبو بكر وابن أبي موسى : يعتق نصف كل واحد منهما بغير قرعة ; لأن القرعة إنما تجب إذا كان أحدهما عبدا والآخر حرا ، ولا كذلك هاهنا ، فيجب أن تقسم الوصية بينهما ، ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر وصيته ، كما لو وصى لاثنين بمال . والأول قياس المذهب ; لأن الإعتاق بعد الموت كالإعتاق في مرض الموت ، وقد ثبت في الإعتاق في مرض الموت أنه يقرع بينهما لحديث عمران بن حصين ، فكذلك بعد الموت ، ولأن المعنى المقتضي لتكميل العتق في أحدهما في الحياة موجود بعد الممات ، فيثبت . فأما إن صرح ، فقال : إذا مت ، فنصف كل واحد من سالم وغانم حر . أو كان في لفظه ما يقتضيه ، أو دلت عليه قرينة ، ثبت ما اقتضاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية