صفحة جزء
( 8577 ) مسألة : قال : ( ولو أعتقه أحدهم ، وهو موسر ، عتق كله ، وصار لصاحبه عليه قيمة ثلثيه ) وجملته أن الشريك إذا أعتق نصيبه من العبد ، وهو موسر ، عتق نصيبه . لا نعلم خلافا فيه ; لما فيه من الأثر ، ولأنه جائز التصرف ، أعتق ملكه الذي لم يتعلق به حق غيره ، فنفذ فيه كما لو أعتق جميع العبد المملوك له . وإذا أعتق نصيبه ، سرى العتق إلى جميعه ، فصار جميعه حرا ، وعلى المعتق قيمة أنصباء شركائه والولاء له . وهذا قول مالك وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، والثوري والشافعي وأبى يوسف ، ومحمد ، وإسحاق .

وقال البتي : لا يعتق إلا حصة المعتق ، ونصيب الباقين باق على الرق ، ولا شيء على العتق ; لما روى ابن التلب ، عن أبيه ، { أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك ، فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم } . ذكره أحمد ، ورواه . ولأنه لو باع نصيبه ، لاختص البيع به ، فكذلك العتق ، إلا أن تكون جارية نفيسة ، يغالى فيها ، فيكون ذلك بمنزلة الجناية من المعتق ; للضرر الذي أدخله على شريكه . وقال أبو حنيفة : لا يعتق إلا حصة المعتق ، ولشريكه الخيار في ثلاثة أشياء ; إن شاء أعتق ، وإن شاء استسعى العبد ، وإن شاء ضمن شريكه ، فيعتق حينئذ .

ولنا الحديث الذي رويناه وهو حديث صحيح ، متفق عليه ، ورواه مالك ، في " موطئه " ، عن نافع ، عن ابن عمر ، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم العتق في جميعه ، وأوجب قيمة نصيب شريك المعتق الموسر عليه ، ولم يجعل له خيرة ، ولا لغيره . وروى قتادة ، عن أبي المليح ، عن أبيه ، { أن رجلا من قومه أعتق شقصا له من مملوك ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله ، وقال : ليس لله شريك } . قال أبو عبد الله : الصحيح أنه عن أبي المليح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ، وليس فيه عن أبيه . هذا معنى كلامه . وقول البتي شاذ ، يخالف الأخبار كلها ، فلا يعول عليه .

وحديث التلب يتعين حمله على المعسر ، جمعا بين الأحاديث . وقياس العتق على البيع لا يصح ، فإن [ ص: 283 ] البيع لا يسري فيما إذا كان العبد كله له ، والعتق يسري ، فإنه لو باع نصف عبده ، لم يسر ، ولو أعتق نصفه ، عتق كله . وإذا ثبت هذا ، فإن ولاءه يكون له ; لأنه عتق بإعتاقه من ماله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما الولاء لمن أعتق } . ولا خلاف في هذا عند من يرى عتقه عليه . ( 8578 )

فصل : ولا فرق في هذا بين كون الشركاء مسلمين أو كافرين ، أو بعضهم مسلما ، وبعضهم كافرا . ذكره القاضي . وهو قول الشافعي . وقال أبو الخطاب : في الكافر وجه ، أنه إذا أعتق نصيبه من مسلم ، أنه لا يسري إلى باقيه ، ولا يقوم عليه ; لأنه لا يصح شراء الكافر عبدا مسلما . ولنا عموم الخبر ، ولأن ذلك ثبت لإزالة الضرر ، فاستوى فيه المسلم والكافر ، كالرد بالعيب ، والغرض هاهنا تكميل العتق ، ودفع الضرر عن الشريك دون التمليك ، بخلاف الشراء ولو قدر أن هاهنا تمليكا ، لكان تقديرا في أدنى زمان ، حصل ضرورة تحصيل العتق ، ولا ضرر فيه ، فإن قدر فيه ضرر ، فهو مغمور بالنسبة إلى ما يحصل من العتق ، فوجوده كالعدم ، وقياس هذا على الشراء غير صحيح لما بينهما من الفرق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية