صفحة جزء
( 8579 ) مسألة : قال : ( فإن أعتقاه بعد عتق الأول ، وقبل أخذ القيمة ، لم يثبت لهما فيه عتق ; لأنه قد صار حرا بعتق الأول له ) يعني أن العتق يسري إلى جميعه باللفظ ، لا بدفع القيمة ، فيعتق كله حين لفظ بالعتق ويصير حرا ، وتستقر القيمة عليه ، فلا يعتق بعد ذلك بعتق غيره . وبهذا قال ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر والشافعي في قول له ، واختاره المزني .

وقال الزهري ، وعمرو بن دينار ومالك والشافعي ، في قول : لا يعتق إلا بدفع القيمة ، ويكون قبل ذلك ملكا لصاحبه ، ينفذ عتقه فيه ، ولا ينفذ تصرفه فيه بغير العتق . وهذا مقتضى قول أبي حنيفة . واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { قوم عليه قيمة العدل ، فأعطي شركاؤه حصصهم ، وعتق جميع العبد } . وفي لفظ رواه أبو داود : { فإن كان موسرا يقوم عليه قيمة عدل ، لا وكس ولا شطط ، ثم يعتق } . فجعله عتيقا بعد دفع القيمة ، ولأن العتق إذا ثبت بعوض ورد الشرع به مطلقا ، لم يعتق إلا بالأداء ، كالمكاتب . وللشافعي قول ثالث ، أن العتق مراعى ، فإن دفع القيمة تبينا أنه كان عتق من حين أعتق نصيبه ، وإن لم يدفع القيمة تبينا أنه لم يكن عتق ; لأن فيه احتياطا لهما جميعا .

ولنا . حديث ابن عمر ، روي بألفاظ مختلفة ، تجتمع في الدلالة على الحرية باللفظ ، فمنها ، لفظ رواه أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أعتق شركا له في عبد ، فكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل ، فهو عتيق } . رواه البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وفي لفظ رواه ابن أبي مليكة ، عن نافع ، عن ابن عمر : " فكان له مال ، فقد عتق كله " . وفي رواية ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر : " وكان للذي يعتق ما يبلغ ثمنه ، فهو يعتق [ ص: 284 ] كله " . وروى أبو داود ، بإسناده ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أعتق شقصا في مملوك ، فهو حر من ماله } . وهذه نصوص في محل النزاع ، فإنه جعله حرا وعتيقا بإعتاقه ، مشروطا بكونه موسرا . ولأنه عتق بالسراية ، فكانت حاصلة عقيب لفظه ، كما لو أعتق جزءا من عبيده ، ولأن القيمة معتبرة وقت الإعتاق ، ولا ينفذ تصرف الشريك فيه بغير الإعتاق .

وعند الشافعي ، لا ينفذ بالإعتاق أيضا فدل على أن العتق حصل فيه بالإعتاق الأول . فأما حديثهم ، فلا حجة لهم فيه ; فإن " الواو " لا تقتضي ترتيبا ، وأما العطف ب " ثم " في اللفظ الآخر ، لم يرد بها الترتيب ، فإنها قد ترد لغير الترتيب ، كقوله تعالى : { ثم الله شهيد على ما يفعلون } . وأما العوض ، فإنما وجب عن المتلف بالإعتاق ، بدليل اعتباره بقيمته حين الإعتاق ، وعدم اعتبار التراضي فيه ، ووجوب القيمة من غير وكس ولا شطط ، بخلاف الكتابة . فإذا ثبت هذا ، فإن الشريكين إذا أعتقاه بعد عتق الأول ، وقبل أخذ القيمة ، لم يثبت لهما فيه عتق ، ولا لهما عليه ولاء ، وولاؤه كله للمعتق الأول ، وعليه القيمة ; لأنه قد صار حرا بإعتاقه . وعند مالك يكون ولاؤه بينهم أثلاثا ، ولا شيء على المعتق الأول من القيمة .

ولو أن المعتق الأول لم يؤد القيمة حتى أفلس ، عتق العبد ، وكانت القيمة في ذمته دينا ، يزاحم بها الشريكان عندنا . وعند مالك ، لا يعتق منه إلا ما عتق . ولو كان المعتق جارية حاملا ، فلم تؤد القيمة حتى وضعت حملها ، فليس على المعتق إلا قيمتها ; حين أعتقها ; لأنه حينئذ حررها . وعند مالك ، يقوم ولدها أيضا . ولو تلف العبد قبل أداء القيمة ، مات حرا ، والقيمة على المعتق ; لأنه فوت عليه رقه . وعند مالك ، لا شيء على المعتق ، ما لم يقوم ، ويحكم بقيمته ، فهو في جميع أحكامه عبد .

التالي السابق


الخدمات العلمية