صفحة جزء
( 8583 ) مسألة : قال : ( وإن أعتقه الأول وهو معسر ، وأعتقه الثاني وهو موسر ، عتق عليه نصيبه ونصيب شريكه ، وكان ثلث ولائه للمعتق الأول ، وثلثاه للمعتق الثاني ) ظاهر المذهب أن المعسر إذا أعتق نصيبه من العبد ، استقر فيه العتق ، ولم يسر إلى نصيب شريكه ، بل يبقى على الرق ، فإذا أعتق الثاني نصيبه ، وهو موسر ، عتق عليه جميع ما بقي منه ; نصيبه بالمياسرة ، ونصيب شريكه الثالث بالسراية ، وصار له ثلثا ولائه ، وللأول ثلثه . وهذا قول إسحاق ، وأبي عبيد ، وابن المنذر ، وداود ، [ ص: 286 ] وابن جرير . وهو قول مالك ، والشافعي ، على الوجه الذي بيناه من قولهما فيما مضى .

وروي عن عروة أنه اشترى عبدا أعتق نصفه ، فكان عروة يشاهره ; شهر عبد ، وشهر حر . وروي عن أحمد ، أن المعسر إذا أعتق نصيبه ، استسعى العبد في قيمة حصة الباقين حتى يؤديها ، فيعتق . وهو قول ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعي ، وأبي يوسف ، ومحمد لما روى أبو هريرة قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أعتق شقصا له في مملوك ، فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال ، وإلا استسعى العبد ، غير مشقوق عليه } . متفق عليه ، ورواه أبو داود . قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة : فإذا استسعى في نصف قيمته ، ثم أيسر معتقه ، رجع عليه بنصف القيمة ; لأنه هو ألجأه إلى هذا ، وكلفه إياه .

وعن أبي يوسف ، ومحمد ، أنهما قالا : يعتق جميعه ، وتكون قيمة نصيب الشريك في ذمته ; لأن العتق لا يتبعض ، فإذا وجد في البعض سرى إلى جميعه ، كالطلاق ، ويلزم المعتق القيمة ; لأنه المتلف لنصيب صاحبه بإعتاقه ، فوجبت قيمته في ذمته ، كما لو أتلفه بقتله . وقال أبو حنيفة : لا يسري العتق ، وإنما يستحق به إعتاق النصيب الباقي ، فيتخير شريكه بين إعتاق نصيبه ، ويكون الولاء بينهما ، وبين أن يستسعي العبد في قيمة نصيبه ، فإذا أداه إليه عتق ، والولاء بينهما .

ولنا ، حديث ابن عمر ، وهو حديث صحيح ثابت عند جميع العلماء بالحديث ، ولأن الاستسعاء إعتاق بعوض ، فلم يجبر عليه ، كالكتابة ، ولأن في الاستسعاء إضرارا بالشريك والعبد ; أما الشريك فإنا نحيله على سعاية لعله لا يحصل منها شيء أصلا ، وإن حصل فربما يكون يسيرا متفرقا ، ويفوت عليه ملكه ، وأما العبد ، فإنا نجبره على سعاية لم يردها ، وكسب لم يختره ، وهذا ضرر في حقهما ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا ضرر ولا ضرار } . قال سليمان بن حرب : أليس إنما ألزم المعتق ثمن ما بقي من العبد ، لئلا يدخل على شريكه ضرر ، فإذا أمره بالسعي ، وإعطائه كل شهر درهمين ، ولم يقدر على تملكه ، فأي ضرر أعظم من هذا ، فأما حديث الاستسعاء ، فقال الأثرم : ذكره سليمان بن حرب ، فطعن فيه ، وضعفه . وقال أبو عبد الله : ليس في الاستسعاء ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ; حديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروة .

وأما شعبة ، وهشام الدستوائي . فلم يذكراه . وحدث به معمر ، ولم يذكر فيه السعاية . قال أبو داود : وهمام أيضا لا يقوله . قال المروذي : وضعف أبو عبد الله حديث سعيد . وقال ابن المنذر : لا يصح حديث الاستسعاء . وذكر همام أن ذكر الاستسعاء من فتيا قتادة ، وفرق بين الكلام الذي هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول قتادة . وقال بعد ذلك : فكان قتادة يقول : إن لم يكن له مال استسعى .

قال ابن عبد البر : حديث أبي هريرة يدور على قتادة ، وقد اتفق شعبة ، وهشام ، وهمام ، على ترك ذكره ، وهم الحجة في قتادة ، والقول قولهم فيه عند جميع أهل العلم بالحديث إذا خالفهم غيرهم . فأما قول أبي حنيفة ، وقول صاحبيه الأخير ، فلا شيء معهم يحتجون به من حديث قوي ولا ضعيف ، بل هو مجرد رأي وتحكم يخالف الحديثين جميعا . قال ابن عبد البر : لم يقل أبو حنيفة وزفر ، بحديث ابن عمر ، ولا حديث أبي هريرة على وجهه ، وكل قول يخالف السنة ، فمردود على قائله . والله المستعان . ( 8584 )

فصل : إذا قلنا بالسعاية ، احتمل أن لا يعتق كله ، وتكون القيمة في ذمة العبد دينا يستسعى في [ ص: 287 ] أدائها ، وتكون أحكامه أحكام الأحرار ، فإن مات ، وفي يده مال ، كان لسيده بقية السعاية ، وباقي ماله موروث ، ولا يرجع العبد على أحد . وهذا قول أبي يوسف ، ومحمد . ويحتمل أن لا يعتق حتى يؤدي السعاية ، فيكون حكمه قبل أدائها حكم من بعضه رقيق إذا مات ، فللشريك الذي لم يعتق من ماله مثل ما يكون له ، على قول من لم يقل بالسعاية ; لأنه إعتاق بأداء مال ، فلم يعتق قبل أدائه ، كالمكاتب . وقال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة : يرجع العبد على المعتق إذا أيسر ; لأنه كلفه السعاية بإعتاقه . ولنا أنه حق لزم العبد في مقابلة حريته ، فلم يرجع به على أحد ، كمال الكتابة ، ولأنه لو رجع به على السيد ، لكان هو الساعي في العوض ، كسائر الحقوق الواجبة عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية