صفحة جزء
( 8671 ) مسألة : قال : ( وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها ، فولدها بمنزلتها ) [ ص: 324 ] وجملته أن الولد الحادث من المدبرة بعد تدبيرها ، لا يخلو من حالين ; أحدهما ، أن يكون موجودا حال تدبيرها ، ويعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حين التدبير ، فهذا يدخل معها في التدبير . بلا خلاف نعلمه ; لأنه بمنزلة عضو من أعضائها . فإن بطل التدبير في الأم ; لبيع أو موت ، أو رجوع بالقول ، لم يبطل في الولد ; لأنه ثبت فيه أصلا . الحال الثاني ، أن تحمل به بعد التدبير ، فهذا يتبع أمه في التدبير ، ويكون حكمه كحكمها في العتق بموت سيدها . في قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عمر . وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، والقاسم ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري ، ومالك ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وأصحاب الرأي .

وذكر القاضي ، أن حنبلا نقل عن أحمد ، أن ولد المدبرة عبد ، إذا لم يشرط المولى . قال : فظاهر هذا أنه لا يتبعها ، ولا يعتق بموت سيدها . وهذا قول جابر بن زيد ، وعطاء . وللشافعي قولان ، كالمذهبين ; أحدهما ، يتبعها . وهو اختيار المزني ; لأن عتقها معلق بصفة ، تثبت بقول المعتق وحده ، فأشبهت من علق عتقها بدخول الدار . قال جابر بن زيد : إنما هو بمنزلة الحائط تصدقت به إذا مت ، فإن ثمرته لك ما عشت . ولأن التدبير وصية ، وولد الموصى بها قبل الموت لسيدها .

ولنا ، ما روي عن عمر ، وابن عمر ، وجابر ، أنهم قالوا : ولد المدبرة بمنزلتها . ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا ، فكان إجماعا ، ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها ، فيتبعها ولدها ، كأم الولد ، ويفارق التعليق بصفة في الحياة ، والوصية ، من جهة أن التدبير آكد من كل واحد منهما ; لأنه اجتمع فيه الأمران ، وما وجد فيه سببان آكد مما وجد فيه أحدهما ، وكذلك لا تبطل بالموت ، ولا بالرجوع عنه . فعلى هذا ، إن بطل التدبير في الأم لمعنى اختص بها ; من بيع ، أو موت ، أو رجوع ، لم يبطل في ولدها ، ويعتق بموت سيدها ، كما لو كانت أمه باقية على التدبير ، فإن لم يتسع الثلث لهما جميعا ، أقرع بينهما ، فأيهما وقعت القرعة عليه ، عتق إن احتمله الثلث ، وإلا عتق منه بقدر الثلث .

وإن فضل من الثلث بعد عتقه شيء ، كمل من الآخر ، كما لو دبر عبدا وأمة معا . وأما الولد الذي وجد قبل التدبير ، فلا نعلم خلافا في أنه لا يتبعها ; لأنه لا يتبع في العتق المنجز ، ولا في حكم الاستيلاد ، ولا في الكتابة ، فلأن لا يتبع في التدبير أولى . قال الميموني : قلت لأحمد : ما كان من ولد المدبرة قبل أن تدبر ، يتبعها . قال : لا يتبعها من ولدها ما كان قبل ذلك ، إنما يتبعها ما كان بعدما دبرت .

وقال حنبل : سمعت عمي يقول في الرجل يدبر الجارية ولها ولد ، قال : ولدها معها ، وجعل أبو الخطاب هذه رواية ، في أن ولدها قبل التدبير يتبعها . وهذا بعيد ، والظاهر أن أحمد لم يرد أن ولدها قبل التدبير معها ، وإنما أراد ولدها بعد التدبير ، على ما صرح به في غير هذه الرواية ; فإن ولدها الموجود لا يتبعها في عتق ، ولا كتابة ، ولا استيلاد ، ولا بيع ، ولا هبة ، ولا رهن ، ولا شيء من الأسباب الناقلة للملك في الرقبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية