صفحة جزء
( 8692 ) فصل : إذا سأل العبد سيده مكاتبته ، استحب له إجابته ، إذا علم فيه خيرا ، ولم يجب ذلك . في ظاهر المذهب . وهو قول عامة أهل العلم ، منهم الحسن ، والشعبي ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وعن أحمد ، أنها واجبة ، إذا دعا العبد المكتسب الصدوق سيده إليها ، فعليه إجابته . وهو قول عطاء ، والضحاك ، وعمرو بن دينار ، وداود . وقال إسحاق : أخشى أن يأثم إن لم يفعل ، ولا يجبر عليه . ووجه ذلك قول الله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } . وظاهر الأمر الوجوب . وروي أن سيرين أبا محمد بن سيرين ، كان عبدا لأنس بن مالك ، فسأله أن يكاتبه ، فأبى ، فأخبر سيرين عمر بن الخطاب بذلك ، فرفع الدرة على أنس ، وقرأ عليه : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } . فكاتبه أنس . [ ص: 334 ]

ولنا ، أنه إعتاق بعوض ، فلم يجب ، كالاستسعاء ، والآية محمولة على الندب ، وقول عمر رضي الله عنه ، يخالف فعل أنس . ولا خلاف بينهم في أن من لا خير فيه لا تجب إجابته . قال أحمد : الخير صدق ، وصلاح ، ووفاء بمال الكتابة ، ونحو هذا قال إبراهيم ، وعمرو بن دينار ، وغيرهما ، وعبارتهم في ذلك مختلفة ، قال ابن عباس : غنى ، وإعطاء للمال . وقال مجاهد : غنى ، وأداء . وقال النخعي : صدق ، ووفاء . وقال عمرو بن دينار : مال ، وصلاح . وقال الشافعي : قوة على الكسب ، وأمانة . وهل تكره كتابة من لا كسب له أو لا ؟ قال القاضي : ظاهر كلام أحمد كراهيته . وكان ابن عمر رضي الله عنه يكرهه . وهو قول مسروق ، والأوزاعي .

وعن أحمد ، رواية أخرى ، أنه لا يكره . ولم يكرهه الشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وطائفة من أهل العلم ; { لأن جويرية بنت الحارث ، كاتبها ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ، فأدى عنها كتابتها ، وتزوجها . } واحتج ابن المنذر ، { بأن بريرة كاتبت ولا حرفة لها ، ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم } . ووجه الأول ما ذكرنا في عتقه ، وينبغي أن ينظر في المكاتب ، فإن كان ممن يتضرر بالكتابة ويضيع ، لعجزه عن الإنفاق على نفسه ، ولا يجد من ينفق عليه ، كرهت كتابته ، وإن كان يجد من يكفيه مؤنته ، لم تكره كتابته ; لحصول النفع بالحرية من غير ضرر . فأما جويرية ، فإنها كانت ذات أهل ، ومال وكانت ابنة سيد قومه ، فإذا عتقت ، رجعت إلى أهلها ، فأخلف الله لها خيرا من أهلها ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصارت إحدى أمهات المؤمنين ، وأعتق الناس ما كان بأيديهم من قومها ، حين بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم ير امرأة أعظم بركة على قومها منها .

وأما بريرة ، فإن كتابتها تدل على إباحة ذلك ، وأنه ليس بمنكر ، ولا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في كراهته . قال مسروق : إذا سأل العبد مولاه المكاتبة ; فإن كان له مكسبة ، أو كان له مال ، فليكاتبه ، وإن لم يكن له مال ولا مكسبة ، فليحسن ملكته ، ولا يكلفه إلا طاقته .

التالي السابق


الخدمات العلمية